نوال العليمثل يد على جبهة، يمنح شعوراً غريباً يعرف طريقه إلى الداخل، هكذا هو شعر أحمد شافعي في ديوانه «وقصائد أخرى» (دار النهضة). حبسنا أنفاسنا بين غلافين، ونحن نساير خيال شافعي «هذه شقة الشاعر/ يسكنها في الشتاء/ وفي الصيف تختفي مثلما تختفي السحابات كلها وحساء العدس/ وفي الصيف يبقى الترام يمر/ وما إن يحاذي البناية حتى يزيد السائق من سرعته، بينما نحبس نحن الركاب أنفاسنا، خشية أن ينضب خيال الشاعر بين محطتين». وشافعي الشاعر/ الراكب محق. إذ يلفت انتباهنا منذ البداية لخياله الغرائبي ومفاجآت قصائده. جماليّات عمله لا تتعلق هنا باللغة. في الحقيقة إنه غلّب الغرابة لمصلحة الموضوع الشعري على اللغة الشعرية نفسها. الصورة ليست شاغلاً لصاحب «طريق جانبي ينتهي بنافورة»، بنية القصائد نفسها هي الأهم وفيها تكمن الدهشة وفي طريقة نسجه لنتاج مخيلة أقل ما يقال عنها أنها جامحة وبريّة «أراد إيسا أن يكون في حياته الأخرى فراشة بيضاء، وحين حقق ذلك، أراد أن يكون زهرة كرز. تذكرت زهرة الكرز أن إيسا لم يقطف في حياته زهرة، وأنه لهذا السبب كان أبله». يقدم لك هذا الشاعر والمترجم والروائي أيضاً جملة شعرية جديدة يريد أن ينفرد بها. تأثره بما ترجمه من القصائد الأفرو ـــــ أميركية واضح، حتى إنه يعترف به في مقدمة فريدة من نوعها يستهل بها ديوانه ويشي فيها بنفسه «هذا الديوان كله رد فعل لتفاعلي مع قصيدة النثر الغربية (الأميركية تحديداً)». ولكنه تأثر لا يظهر على شكل ركاكة الترجمة التي استعذبها كثيرون، بل إن الأجواء العامة للديوان هي التي تضيء ثقافة قصيدة شافعي القادمة من نصوص تنتمي لثقافة مختلفة.
تضمّن الديوان سرداً خالصاً أحياناً في نصوص لم تستخدم بنية محكمة للقصيدة من دون أن يفقدها ذلك جمالها وشعريتها أيضاً، مثلما هي الحال في نص «قبل أن يسبقني صديق آخر». كما حضر الشاعر المصري نفسه بقوة في الديوان، نجد قصائد تحكي عنه، وأخرى معنونة باسمه مثل «عزيزي أحمد شافعي».
يجرب شافعي من دون تردد، ولا يحرص على المعنى، إنها خصوصية شعريته وجموحها هو ملعبه. نورد هنا مقطعاً من قصيدة «شجرة»، إذ تجتمع للشافعي فيها غرابة الصورة والمعنى وتركيب الجملة كذلك «التي رأيتها في الربيع تطلع لها أنياب وضروس ويتقاطر الدم منها ونسائر اللحم/ التي لا تراني في غمرة رغبتها أن تعرف دم من هذا الذي يغرقها ولماذا هي هكذا منهكة».