مشاريع مصرية مؤجّلة وعملٌ مع نبيلة عبيدمنار ديب
تمثّل الجيل المتوسط في الدراما السورية. يارا صبري التي تحقّق حضوراً واضحاً في المسلسلات المحليّة، لم تأتِ محمولة على عامل الجمال المهيمن في عالم الدراما العربية، بل خاضت امتحانات صعبة للأداء، وأثبتت قدرتها على الاستمرار. حين ظهرت للمرة الأولى في «زهرة النارنج» عام 1991 مع والدها المخرج والممثل سليم صبري، كانت الفتاة ـــــ التي ورثت عن والدتها الممثلة ثناء دبسي الموهبة ـــــ لا تعلم أنّها ستصير واحدة من أبرز الوجوه النسائية في الدراما السورية. وهي دخلت مجال التمثيل لأن «هذه المهنة تمكّنك من القيام بأمور لا يمكنك فعلها في الواقع، وتتيح لك أكثر من حياة». أما تاريخ والديها، فترى أنّه خدمها في البداية: «كوني ابنة سليم صبري وثناء دبسي قدَّم لي حصانة، فكان ما يعرض عليّ هو أدوار مميزة في العموم». يارا ظهرت على الساحة مع فورة الدراما السورية، لكنّ ذلك كان سابقاً لانتشار الفضائيات: «حين بدأتُ، كنَّ مَن هنَّ في عمري من الممثلات قليلات، لكنني حُصِرتُ في أدوارِ النمط الواحد، الفتاة الخجولة والسلبية، والفكرة الأساسية لدخولي التمثيل لم تتحقق حينها». لكنّها ستعرف نقلات كبيرة وتعمل مع أهم المخرجين، من هيثم حقي في «خان الحرير» و«الثريا» إلى حاتم علي في «الفصول الأربعة» و«التغريبة الفلسطينية».
اليوم، بعد أدوار هامة ليارا صبري في «الانتظار» لليث حجو و«على حافة الهاوية» للمثنى صبح، لا تزال المساحة الممنوحة للممثلة في الدراما السورية محدودة: «المسألة متكاملة. حين لا تعترف بدور للمرأة في المجتمع الشرقي، فإنّ هذا ينعكس على الدراما. فهي إمّا أنها تظهر في دور المرأة الخارقة (super woman) وإما نراها في بطولات مجانية. لكن يندر أن يتناول أحد الأعمال حياة المرأة بمختلف جوانبها. وربما يعود الأمر إلى الرقابة الاجتماعية، إذ لا تطرح أفكار جريئة بخصوص عمل المرأة وحياتها».
منذ البداية، اختارت يارا صبري ألّا تطرح نفسها أيقونة جمال، حتى لو كان هذا هو منطق السوق: «أنا ضدّ فكرة أن أكون مجرد أنثى جميلة. أنا ممثلة صاحبة رسالة ومسؤولية. يجب أن أكون مثالاً للناس في حياتي الشخصية كامراة. الممثّلة مثلٌ أعلى للنساء الجالسات في بيوتهن، وليست إحدى أولوياتي أن أسوّق نفسي».
العديد من الممثلات يخشين التقدّم في السنّ ويرين فيه تقليصاً لفرصهن. لكنّ يارا تفكر بطريقة أخرى: «في مهنة التمثيل، كلما كبرت، ازداد تطوّرك، مع ما يعنيه ذلك من خبرة وألق. العمر نضجٌ وقدرة على العطاء. واقعنا يفرض معادلة معينة بسبب تحكّم رأس المال. الثلاثين كانت مرحلة تحوّل بالنسبة إليّ، وشعرتُ بأنّ عليَّ أن أفعل شيئاً للمستقبل». يارا، وإن كانت قد فرضت حضورها كممثلة «كاست أوّل» من ناحية الأجر، إلا أنّ الاعتبارات التسويقية لم تحوّلها إلى نجمة شارة. وهي تفضّل أن توصف بالممثلة الجيدة على أن تمنح نجومية سهلة يمكن الحصول عليها حتى من الإعلانات، لكنها تحقق معادلة صعبة كانت خيارها منذ البداية.
في هذا الموسم، تخوض يارا صبري تجربة الكتابة الدرامية من خلال مسلسل «قلوب صغيرة» الذي تشاركها في كتابته ريما فليحان ويخرجه عمار رضوان وتنتجه شركة «غزال». هذا العمل الذي تؤدي بطولته قامت بكتابته بنفسها، لأنّها تريد تناول قضايا معينة، كأوضاع الأيتام والعنف ضد المرأة. وعن مشروعها الجديد تقول إنّ ««قلوب صغيرة» هو مشروعي. أودُّ أن أدافع عن المهمّشين بطريقة عملية، وألّا أكتفي بالقيام بأعمال خيرية. إذ لا بد من طرح المشكلات على الملأ». لذلك، فهي تمارس نوعاً من التفرّغ لهذا العمل، وإن كانت تقرأ نص «الدوامة» من إنتاج «سوريا الدولية»، إخراج المثنى صبح عن رواية لفواز حداد «الضغينة والهوى»، وسيناريو الراحل ممدوح عدوان.
لكن تجربة الكتابة لن تكون الأخيرة بالنسبة إلى يارا صبري، فهي في صدد كتابة عمل آخر: «هناك عمل ثانٍ عن الحياة، كيف تجمعُكَ بأشخاصٍ يؤثّرون عليك. كذلك يتوقف المسلسل عند أشخاص يشبهونك من خلال تفاصيل صغيرة، ويتحدث عن مرور الزمن... بدلاً من أن أنتظر عملاً من هذا النوع، فلأجرِّب وأكتب بنفسي».


«البوابة الثانية»

على رغم تأخُّر تنفيذه، عُرِضَ على يارا صبري المشاركة في المسلسل المصري «البوابة الثانية» مع نبيلة عبيد (إخراج علي عبد الخالق)، حيث تجسّد شخصيّة امرأة فلسطينية تعيش في مصر. وعن العمل، تقول: «طُرح عليّ التمثيل في مصر في الماضي، وأخيراً في «مهرجان القاهرة السينمائي». ولكن إذا أردتُ العمل في القاهرة، فليكن من أجل شيء أهم مما أقدمه في سوريا. الأعمال الجيدة في مصر قليلة، فلماذا أخسر تاريخي لمجرد الظهور في أي عمل؟».
صبري التي شاركت في فيلم «صورنا» للمصرية جيهان الأعصر، تضع الإخراج نصب عينيها: «هو طموحي، لكن وقتي لا يسمح به حالياً، وأنا قادرة على خوض التجربة نفسياً وثقافياً. أما تقنياً، فأعتقد بأنّني أمتلك قدرات راكمتها من خلال عملي كممثلة، لكنّ الإخراج ليس تقنية بل تحويل للشخصيات المكتوبة على الورق إلى لحم ودم».


بين الكوميديا والتراث