من حدث إعلامي إلى حدث سياسي، ومن لقاء عن حرية الصحافة إلى مهرجان... شبه انتخابي. هكذا، في يومه الأخير، يمكن تلخيص «المنتدى العربي الثالث للصحافة الحرة» الذي نظّم في بيروت بمبادرة من «النهار» وبدعم من «اتحاد الصحافيين العالمي»
ليال حداد
خرج المشاركون في «المنتدى العربي الثالث للصحافة الحرّة» بخلاصة واحدة: وضع الحريات الإعلاميّة في العالم العربي بائس. التقى عشرات الصحافيين من مختلف أنحاء العالم على امتداد يومين في بيروت، وعرضوا تجاربهم... للسنة الثالثة على التوالي. في الجلسات الأربع، كانت تونس النجمة بلا منازع. إذ تُوجّت كل جلسة نقاش عن حرية الصحافة في بلد الطاهر الحداد، بمواجهات بين الإعلاميين والناشطين الحقوقيين التوانسة من جهة، وبعض مثيري الشغب في الصالة من جهة أخرى. وهؤلاء احتار الحضور في تصنيفهم: أوفد «دبلوماسي» كما ادّعى أحدهم؟ أم عملاء جاؤوا للتشويش على مواطنيهم في محفل لا تطاله مخابرات النظام التونسي؟ المؤكّد أن الشتائم التي وجّهت إلى كلّ من نزيهة رجيبة وسهام بن سدرين (ألقت كلمة المحامي محمد عبو بعد منعه من مغادرة بلده للمشاركة في اللقاء)، أبعد ما يكون عن تقاليد الحوار الديموقراطي الرصين. وروى صحافيَّان من مصر وسوريا تجربتيهما مع النظام التونسي، ووسيلة «البروباغندا» التي يعتمدها لتلميع صورته في الدول العربية، وتصوير تونس كـ«بلد سياحي يحترم حقوق الإنسان والمواطنين».
بعيداً عن القمع والأنظمة المستبدّة، حاولت الجلسة الأخيرة عرض العلاقة التي تجمع بين وسائل الإعلام العربية ـــ الصحف أساساً ـــ والمعلنين. لكن مداخلة آسبين أمان، غرقت في النظريات عن الشفافية والمساءلة، اللتين تؤثران في أعمال الإعلاميين العرب: «لا يمكن أن تكونوا شفّافين في مكان وغامضين في مكان آخر»، قالت مديرة تطوير الأعمال التجارية لمنطقة الشرق الأوسط لدى منظمة BPA العلمية. كذلك استعرضت الجلسة تجربة صحيفَتي «الوسط» في البحرين، و«الوطن» الجزائرية. إذ تحدّث كل طرف عن ضغوط شركات الإحصاء التي تعمل مع وكالات الإعلانات لإخفاء أرقام التوزيع، وبالتالي، خفض حجم الإعلانات في هذه الصحف المعارضة.
أمّا لبنان، فغاب ببساطة عن النقاش، كما لو كانت العلاقة بين وسائل الإعلام وشركات الإعلانات في أحسن حالاتها... والمعروف أن شركة واحدة، بل شخصاً واحداً، يحتكر سوق الإعلانات في لبنان، لكن هذا «التفصيل» لا يبدو أنّه يشغل بال المشرفين على المنتدى والمشاركين فيه، بانعكاساته على التنوّع والحريّة في الإعلام المكتوب والسمعي ـــ البصري... جائزة للقارئ الذي يعرف السبب!
وكان أن انتهى المنتدى بتكريس بيروت «عاصمة الحرية الصحافية في العالم العربية»، بدليل انعقاد مؤتمر المجلس الإداري لـ«الاتحاد العالمي للصحف» (وان) في العاصمة اللبنانية هذه السنة، كما ذكّر رئيسه غافين أورايلي. لكن سرعان ما تركت المناسبة الإعلامية مكانها للحدث السياسي بامتياز، إذ انتقل الإعلاميون إلى قصر المؤتمرات في أنطلياس، للمشاركة في حفلة تكريم جبران تويني في الذكرى الثالثة لاغتياله. حضر الجميع إلى انطلياس: سياسيون وإعلاميون ورجال دين، وسط محبّي السياسي الراحل، للاستماع إلى كلمة ابنته والمديرة العامة المساعدة في «النهار» نايلة تويني التي لم يرها جمهور المنتدى في صالة مونرو، إلا في الافتتاح. توقّع كثيرون أن تتحدّث تويني عن حرية الصحافة، وعن مواصلة «مسيرة جبران تويني في النضال من أجل الحريات الإعلامية»، لكن المفاجأة كانت على كل الوجوه حين بدت كأنّها تعلن برنامجها الانتخابي، مع تزايد الحديث عن ترشّحها للمقعد الأرثوذكسي في الأشرفية (هل نحن دائماً في «رعاية» الاتحاد العالمي الصحف؟). تحدّثت تويني عن ربيع لبنان، وربيع الحرية الآتي مع الانتخابات النيابية: «ربيع الحرية يقضي بأن يصوّت اللبنانيون للدولة الواحدة السيدة، لا للدويلات التي تركتها لنا سوريا قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة». ولم يفتها توجيه رسائل إلى الخصم المسيحي الذي يبدو مقلقاً أكثر من أي وقت مضى. كذلك عرضت تويني رؤيتها الاستراتيجية: فلنحارب إسرائيل «بالواقعية، والرخاء، والازدهار، وحب الحياة». وبلغ الخطاب ذروته التراجيديّة حين قالت: «إذا أرادت سوريا أن تقاوم، فلتقاوم من أرضها لا من لبنان»!
وكان لغافين أورايلي إطلالته في إنطلياس، لا ليرشّح نفسه عن مقعد نيابي في بيروت، بل ليدقّ ناقوس الخطر محذّراً من استمرار الأعمال العدائية ضدّ الصحافيين والمدونين في الشرق الأوسط. كما ركّز على العراق «الذي يبقى المنطقة الأكثر خطورة»، فطالب بوقف عمليات ترهيب الإعلاميين، متجاوزاً مسؤوليّة الاحتلال الأميركي في هذا السياق. وفي نهاية الاحتفال، تسلّم رئيس تحرير جريدة «الدستور» المصرية إبراهيم عيسى جائزة جبران تويني السنوية، متمنّياً أن «تكون هذه العاصمة التي نحبّ، بيروت، شرفتنا على الجنّة».


جبران «مشاركاً» في اللقاء

حضر جبران تويني إلى حفلة تكريمه، فجلس خلف مكتبه مذكّراً بمواقفه السياسية والصحافية، ومطالباً الشباب بعدم التشكيك في «ثورة الأرز»، وذلك من خلال التقنية الثلاثية الأبعاد 3D. كذلك تخلّل المهرجان فيلم وثائقي عن حياة تويني منذ ولادته حتى اغتياله عام 2005، مروراً بأبرز المحطات في تاريخه وعلاقته بعائلته وبأسرة «النهار». كما عرض شريط ثانٍ عن عمل حكومة الظلّ الشبابية وإنجازاتها منذ تأسيسها حتى اليوم. كما قدّمت فرقة «مين» مجموعة من الأغاني التي كتبتها خصيصاً لتكريم تويني