كتب مدير دائرة الإعلام في احتفالية «القدس عاصمة الثقافة العربية»، يردّ على مقالة نجوان درويش التي تنتقد التعاطي مع المناسبة. في ما يلي رسالة حسّان البلعاوي وردّ التحرير

في مقالته «القدس 2009 عاصمة الفرص الضائعة؟» (الأخبار، (3 ك1/ ديسمبر الجاري)، قدّم نجوان درويش صورةً عدمية للمشهد الثقافي الفلسطيني الموزَّع بين الاحتلال والانقسام. لم تكن القدس عبر تاريخها الطويل ملكاً للسلطة الحاكمة، بل كانت ملكاً لشعبها العريق الذي استقر على أرضها منذ خمسة آلاف عام (...) ويقاوم دفاعاً عن هويتها (...). وإذا كان قدر المدينة المحتلة أن تكون عاصمة للثقافة العربية 2009، وفق قرار مجلس وزراء الثقافة العرب (...)، فالمطلوب في الهامش المتاح المشاركة الفعالة في المشروع الوطني الكبير، وتقديم اقتراحات عملية بدل الاكتفاء بالمشاهدة وتصيّد الأخطاء. نحن على يقين من أنّ المواجهة مع الاحتلال، تتطلّب وحدة المثقفين على الساحة الفلسطينية والعربية (...) في مواجهة عمليات التهميش التي تستهدف المدينة المقدسة، على أمل تكريس حضور ثقافي دائم (...)
لا أحد يطالب المثقفين بتغييب المواقف النقدية، لكن على قاعدة البناء ومواجهة الحملات التي تستهدف المدينة المقدسة، وقد بدأت (...) عقب الاحتلال في حزيران/ يونيو 1967، ثم أعلن المحتلّ ضمها رسمياً وتوحيد شطريها عاصمة لدولة الاحتلال. لسنا بصدد الرد على التفاصيل غير الدقيقة التي أوردها المقال (...) القافلة تسير بهدوء من أجل إنجاز مهمّاتها المرتقبة طوال العام المقبل، بمشاركة مجموعة واسعة ومتنوعة من المثقفين والإعلاميين والفنانين والتربويين، وما زال هناك متسع للراغبين في تعزيز الاحتفالية الكبرى (...) للاعتلاء بالمدينة المقدسة نجمة مضيئة فوق أسوارها العالية... ومن أجل مواجهة حصارها، والحملات التي تشنّها قوات الاحتلال (...) لتغيير ملامحها وطابعها العربي... لكنّها لن تمرّ.
حسّان البلعاوي
قد لا يختلف اثنان على تقويم ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى تهويد القدس، وتهميش المدينة المقدسة التي يتمسّك بها العرب عاصمة أبديّة لفلسطين. الاختلاف هو على كيفيّة الدفاع عن تلك المدينة ـــ الرمز، والوقوف في مواجهة مخططات الطمس والتهميش المنهجي التي تتعرّض لها. إن اختيارها عاصمة الثقافة العربيّة في العام 2009 كان بوسعه أن يكون تجسيداً لتلك المواجهة... إذ إن الثقافة هي المحور الجوهري للصراع، والتعبير الفعلي عن هويّة شعب وحضارته وتطلعاته المستقبليّة. وهنا يبدأ الخلاف حول تقويم المشروع الحالي، وإمكانات القيمين عليه، واستعدادهم الفعلي لخوض تلك التجربة الحيويّة والمهمّة، انطلاقاً من خيارات ثقافيّة جريئة وخلاقة ومغايرة، ومن قدرة سياسيّة على تجاوز أشكال الوصاية ومصادرة القرار التي من شأن إسرائيل أن تفرضها عليهم. ليس «قدر المدينة أن تكون عاصمة للثقافة العربية»، بل هو خيار وطني وقومي، على أساس مشروع عقلاني طويل النفس، كان يقتضي أشهراً من التشاور والبحث والتحضير، كي يتسع لكل روافد الثقافة الفلسطينيّة أولاً، ولمشاركة عربيّة وعالميّة واسعة ونوعيّة.
«القافلة تسير بهدوء من أجل إنجاز مهمّاتها المرتقبة طوال العام المقبل» يطمئننا البلعاوي الذي نسي أن القدس بدأ احتلالها عام 1948. لا بدّ من قدر كبير من السذاجة، كي نتصوّر أن الاحتلال سيسهّل قيام تظاهرات ثقافيّة كبرى، عربيّة الملامح، عالميّة الأبعاد، في مدينة القدس. فما هي خطة المواجهة، ومن هو مهيّأ لخوضها؟ هل نعتمد في ذلك على وزراء الثقافة العرب؟ يدعو مدير دائرة الإعلام إلى «تقديم اقتراحات عملية قابلة للتنفيذ، بدلاً من الاكتفاء بالمشاهدة وتصيّد الأخطاء»، كأننا به لم يقرأ بتمعن مآخذ زميلنا، ولا سمع انتقاداته وتحفظاته: متى فتحت الأبواب أمام الكفاءات الفلسطينيّة كي تسهم في إنجاح هذه المناسبة؟ هل عندنا أدنى فكرة، أسابيع قليلة قبل الانطلاق، عن نهج اللجنة المشرفة على الاحتفاليّة وسياستها ورؤياها وتوجّهاتها «للاعتلاء بالمدينة المقدسة نجمةً مضيئة فوق أسوارها العالية»؟ هذا ما قصده نجوان درويش، ابن القدس، حين تحدّث عن «الفرص الضائعة»!
(التحرير)