حازم العظمةرهان خليل صويلح على ثقافة نقدية، وإن في صحيفة رسمية سورية كـ«تشرين»، كان شجاعاً. ونأمل ألا ينكسر بسهولة، نحن الذين كنّا نتابع بشغف كل سبت «تشرين الثقافي». نحن الذين رحنا بسبب خليل نكتب في «تشرين»، تحديداً في «تشرين الثقافي»، ونشرح أنّها في النهاية صحيفتنا، نحن المواطنين الذين لهم الحق في الصحيفة تماماً كما في المشفى والمسرح والرصيف. تلك الصفحات كانت تقدم مادة مختلفة، وأحياناً خلافية. مادة حداثية ومعاصرة وغنية. كنا نُدهش كل مرة من ظهور أسماء مغيّبة أو يحتاج تناولها إلى «شجاعة»: سليم بركات أو حيدر حيدر، الراحل فواز الساجر أو نوري الجراح. إلياس خوري وسعدي يوسف وبسام حجار ووديع سعادة ورشيد الضعيف وغيرهم الكثير. أقول: «كنّا» لأنّ خليل صويلح اكتشف الأسبوع الماضي أنّه «أُعفي» من هذه المسؤوليّة. طبعاً لا أحد يستطيع أن يحدّد سبباً مباشراً. في هذه الحالات لا يصلك سوى تلميحات، واحتمالات تُتداول في جلسات خاصة وسهرات. كما أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة مَن الذي أصدر قراراً كهذا.
سمعنا أنّ شيخاً ما أو شيوخاً لم تعجبهم قصيدة الشاعر قيس مصطفى في العدد الأخير، لأنّ فيها مقاطع «هرطوقية»... أو أنّهم «استكبروا» واستنكروا قصيدة لخضر الآغا تتضمّن مقاطع «فاضحة»... ولعلّ السبب نشر رسالة مؤثرة للمسرحية مي سكاف بعنوان «تياترو إلى أين؟»، أساءت إلى بعض أصحاب النفوذ «الثقافي». كلّها احتمالات، لكن المؤكّد أن التجربة بمجملها صارت مع الأيّام «مزعجة» لديناصورات الثقافة الخشبية والخطابات الجاهزة!
وليست للأسف المرة الأولى التي نشهد فيها هذا النوع من القطيعة القسريّة. فـ«ملحق الثورة الثقافي» الذي كان مشهوداً له بالغنى والتنوّع، أُغلقَ بعد أقل من سنتين من حياته القصيرة (1974 ـــــ 1975) لأنّ وزير الإعلام آنذاك لم يعجبه مقال للناقد كمال أبو ديب وللشاعر أدونيس، فطلب من رئيس التحرير، وكان وقتذاك الشاعر محمد عمران، إقصاءهما من تحرير الملحق... لكنّ هذا الأخير آثر الاستقالة ثم أُغلق «ملحق الثورة الثقافي». خليل صويلح نفسه تعرّض مراراً للإقصاء: من «تشرين الأسبوعي» (1999 ـــــ 2001)، ثم «عالم الكتب» (2002 ـــــ 2006). وقد صمد في «تشرين الثقافي» سنة ونصف السنة، فهل يعود قريباً؟ أم أن الكتابة الوحيدة المتاحة اليوم تُفصّل على قياس أناس لا يقرأون... إلا ليهزوا رؤوسهم طرباً، أو يتثاءبوا، لأنه «ليس بالإمكان أفضل مما كان»؟ نستعيد هنا عنوان مسرحيّة شهيرة لبيتر فايس، ترجمها نبيل حفّار قبل سنوات: «كيف يتم تخليص السيد موكينبوت من آلامه؟».