القدس 2009» فرضت نفسها على المؤتمر الاستثنائي الذي يُختتم غداً في عمان، ويبحث في تجديد القوانين (انتخابات دوريّة، تدوير مقرّ الاتحاد...). لكن ماذا عن العقليّات؟
أحمد الزعتري
قبل 51 عاماً كانت الحماسة نفسها. الأحلام ذاتها واللغة الدونكيشوتيّة أيضاً. الأعلام مصفوفة أمام رؤساء الوفود كأيّ مؤتمر لرؤساء الدول العربية. تلك الأجواء نفسها أحاطت بالجلسة الافتتاحيّة للمؤتمر الاستثنائي للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب الذي يستمرّ حتى يوم غد في عمّان، بدعوة من رابطة الكتّاب الأردنيين ودعم من وزارة الثقافة الأردنية وأمانة العاصمة. الاستثناء هذه المرة يأتي ضمن جملة قرارات سيتّخذها الاتحاد وتعديلات على لائحته الداخلية، إذ بقيت بنودها التي أبرمت عام 1957 كما هي حتى الآن. وأبرز تلك البنود التي ستُعدّل تلك المتعلّقة بأسماء البلاد التي تغيّرت، وتفعيل قانون انتخابات دوريّة، وإفراز قانون آخر يقضي بتدوير مقارّ الاتحاد على الدول العربية كل ستة أشهر، على أن تبقى الأمانة العامة في مقرّها في القاهرة، إضافة إلى ندوة بعنوان «المسرح العربي واقعه وآفاقه».
في كلمات الافتتاح، سمعنا كليشيهات ثقافية مخدّرة، إشارات إلى الوضع العربي المعاصر، إدانة للاحتلال الإسرائيلي والأميركي، التدخّل في شؤون لبنان، السودان والصومال الداخليّة، وأخرى تدعو إلى تحرّر الشعوب الغربية من حكوماتها الغاصبة، على غرار ما حدث في أميركا عندما «احتكمت الشعوب إلى ضمائرها» وانتخبت أوباما: أول رئيس ملوّن. لكن هل تكفي فقط الدعوة إلى الحرية والديموقراطيّة وحقوق الكاتب الفكرية والمادية لإحداث تغيير في المجتمعات العربية؟ يجيب الأمين العام للاتحاد محمد سلماوي: «الديموقراطيّة لا تأتي بقرار سياسي من أعلى، بل هي استجابة لمطالب شعبيّة يتبنّاها المثقفون والكتّاب. ومن هنا تأتي أهمية هذا المؤتمر».
وإن كانت الإشارة إلى هذه القضايا بهدف «مواكبة العصر الذي نعيش»، كما جاء في كلمة سلماوي، فكلمة الوفود التي ألقاها رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب الفلسطينيين، المتوكّل طه، جاءت وجدانيّة، منكّلة بهذا العصر، إذ «رغم رطانة الذين يفصلون بين النهر»، قَدِم هو ووفده من فلسطين للمشاركة في المؤتمر، لكن «ضعفك يا أبي العربي هو الذي قادني إلى الموت» أيضاً. الشاعر الفلسطيني لم يرد تفويت فرصة نقض التطبيع ذي النيّات الحسنة، إذ دعا إلى محاربة الختم الإسرائيلي على الجوازات العربيّة. فـ«الأمة لا تتوسّل قاتلها»، تحت أي مسمى، حتى ولو كان ذلك بهدف مساندة فلسطين من خلال المشاركة في الفعاليات التي تقام هناك. وأشار إلى أنّ مَن سيأتي إلى القدس للاحتفال بها «عاصمة الثقافة العربية 2009» بواسطة التصاريح الإسرائيليّة سيعمل على «تكريس الاحتلال». نسأل طه إذاً، هل اختيار القدس لتكون عاصمة الثقافة العربية هو مجرّد اختيار معنوي؟ يجيب بأنّ الاختيار «محاولة لإعادة التوازن إلى الضمير العربي الذي نسي القدس أكثر من أربعة عقود، وهذا استدراك متأخّر لا يجب أن يتم عبر هذه الطريقة الموسميّة». يرفض طه اعتباره ضد فعالية القدس عاصمة الثقافة العربية، لكنّه ضد «الشكل الموسمي»، لذا «يطالب باجتراح قوالب أكثر ديمومة وعمقاً وبحثاً» وأقل شكلانيّة.
ويتكوّن الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، الذي تأسس عام 1957، من تجمعات الأدباء والكتاب في الدول العربية، وقد وضع لنفسه أهدافاً كثيرة، منها قومية مثل «تحرير الوطن العربي»، وثقافية كـ«الاهتمام بالموروث العربي والمبدعين العرب والعمل على نقل إبداعهم إلى اللغات الأخرى». وينشر الاتحاد تقارير عن «وضع الحريّات في العالم العربي»، إضافة إلى مجلة «الكاتب العربي» الدورية. لكن فعلياً، لا تتصدّر نشاطات الاتحاد الصفحات الثقافيّة إلا عبر نشاطات طارئة نوعيّة، مثل إهداء درع الاتحاد للرئيس السوري بشّار الأسد، ورفضه عضويّة العراق بسبب عدم إدانته للاحتلال الأميركي. واليوم، يتّجه بعض أعضاء الوفود إلى إصدار بيانٍ تضامني مع الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي رمى الرئيس الأميركي بحذائه أثناء زيارته الأخيرة إلى بغداد.