سناء الخوريفي معرضه الحالي «أعمالٌ جديدة على الورق» (المركز الثقافي الفرنسي ــــ بيروت)، يحاكي شارل خوري الحياة المعاصرة، إنما من خلال تقنيّة خاصة، وأبجديّة مغايرة. رجال، عصافير، حيوانات أخرى، وأشكال هندسية تجتمع كلّها في اللوحات المتوسّطة والصغيرة الحجم، لتذكّر بما رسمه الفنانون الأوائل، على جدران الكهوف. يستلهم التشكيلي اللبناني فنون ما قبل التاريخ، من خلال 52 لوحة رَسمَ معظمها بوسائط متعددة، وبعضها بالطباعة الحجريّة والحفر. الأعمال لا تحمل عناوين، تماماً كمشاهد الصيد العائدة إلى العصور الغابرة، وتذوب فيها الوجوه البشريّة المطبوعة بألوان مائيّة كالأخضر أو الرمادي، في عجقة أشكال مبهمة. نميّز هنا ظلّ إنسان بين خطوط توحي بأنّها أشجار أو طيور أو هناك بين مربعات هي أبنية ربما أو آلات.
ممتعة لعبة تفكيك رموز اللوحات، لكنّها تأخذنا إلى سؤال أعمق، عن حالة الإنسان المعاصر الغارق في زحمة الأشياء المحيطة. تأويل اللوحة الذي يختلف من متلقٍّ إلى آخر، لا يخفي الثابت الأقوى في لوحات خوري، والذي هو ذلك المزج بين عناصر الطبيعة والحياة البشرية بحيث تصبح وحدةً متكاملة، لا يمكن فصل عناصرها المركّبة.
تقنيات الحفر في بعض اللوحات تحيلنا أيضاً على تماثيل الهنود الحمر، أو التماثيل الأفريقيّة. الابتكار والتنوّع والرمزيّة في تلك الفنون تمتزج بأصالة جعلتها علامة حضاريّة ووهبتها كلّ مقوّمات الصمود في وجه الزمن. في لوحات خوري، تحمل الأشكال السوداء المنقوشة كأنها أفريقيّة رمزيّةً غنيّةً رغم بساطتها. إذ نوّع الفنان في اقتباسه «الجديد» لها بين الأسود والبنيّ كما اختار في لوحة واحدة البرتقالي والأصفر.
خوري متخصص بالطباعة الحجرية (ALBA)، ويشارك بكثافة في معارض مشتركة وفرديّة منذ 1991، لكنّ تلك الخبرة الطويلة في التعامل مع اللون والمادّة، لم تمنعه من التقنين في تنوّع الألوان، ولا من الاكتفاء ببعد مسطّح واحد في اللوحة. قد تكون هذه البساطة، في غنى رسالتها المعاصرة، نتيجة لتلك الخبرة.


حتى 2 كانون الثاني (يناير) المقبل ـ المركز الثقافي الفرنسي (طريق الشام) ـ للاستعلام 01/420000