خاضت تجربةً متعدّدة الأوجه مع زياد الرحباني وصولاً إلى «مونودوز». الفنانة اللبنانية ذات الصوت المراهق تعود في عمل جديد ظلّ وفيّاً لأجواء الـ «البوسّا نوفا»
بشير صفير
بعد «مونودوز» الذي يُعدّ قمة تعاونٍ دام سنوات مع زياد الرحباني، أصدرت سلمى مصفي ألبومها الثاني «نوفا» (ميوزيك ماستر) الذي حمل من الأول أجواء الـ«البوسّا نوفا» البرازيلية. بدايةً يجب الإشارة إلى أنّ «نوفا» الذي يتزامن صدوره مع احتفال العالم باليوبيل الذهبي لظهور الـ «بوسّا نوفا»، لن يكون «حبّة الكرز» التي ستزيّن قالب الحلوى الخاص بالمناسبة. لكن، من جهة أخرى، لا بد من الثناء على جهود سلمى لتقديم ما هو أفضل من معظم ما أنتجه لبنان والعالم العربي في مجال الأغنية الشعبية في السنوات الأخيرة. لذا، الملاحظات السلبية التي يمكن أن تنتج من انتقاد هذا العمل، آتية من مجرّد إدراجه في خانة الجيد حيث يُقارَن أساساً بالتجارب الجادة.
خاضت سلمى تجربةً متعددةً الأوجه مع الفنان زياد الرحباني. من برامجه على إذاعة «صوت الشعب» في النصف الثاني من الثمانينيات، إلى المشاركة في عمله المسرحي الأخير «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» و«لولا فسحة الأمل» (1993/1994) وفي «بما إنو» جوزيف صقر (1995)... وصولاً إلى «مونودوز» (2001) الألبوم الكامل الذي خصّ به الرحباني الفنانة اللبنانية. وقد أضفت هذه الأخيرة صوتاً ذا نبرة خاصة وشخصيّة متميّزة مناسبة للنصوص التي أدتها.
يحمل ألبوم سلمى ـ بأقل تقدير ـ ثلاث جنسيات أساسية: البرازيلية (الموسيقى هي «بوسّا نوفا» بجزئها الأكبر)، اللبنانية (الجزء الأكبر من النص)، الفرنسية (جزء من النص والموسيقى). ويقتصر عمل سلمى في «نوفا» على وضْع صوتها المراهق أبداً، وكتابة النصوص العربية (بالعامية اللبنانية) لأغنيات خاصة أو أخرى قديمة (معظمها من كلاسيكيات أنطونيو كارلوس جوبيم). النصوص حملت في معانيها مراجعةً لمسيرة شخصية، بين تأمل وأمل، ونوستالجيا إلى الحياة البيروتية وازدواجية الانتماء إلى العاصمتين اللبنانية والفرنسية، ونبذاً للمآسي ودعوة إلى الفرح. لكنّ نص سلمى مثّل الحلقة الأضعف في الألبوم، إذ تخطّت النية في كتابة الشعر الحديث مسألة إلغاء الوزن، لتشمل الغياب الكلّي للقافية، والخروج عن الإيقاع الموسيقي بطريقة نافرة (ولمرة واحدة، ما يعزّز فرضيّة «الخطأ»، على حساب «الخروج عن المألوف»). من هذه الناحية كان من الأفضل الحفاظ على الحد الأدنى من التناغم بين الكلمات (في إطار السجع أقله)، لتتناسب مع الشكل الغنائي المُعتَمَد، البعيد عن الفوضوية في اللحن كما في الإيقاع الثابت (ولو أنه أعقد بكثير من الإيقاعات الثابتة والسهلة). أما على صعيد الموسيقى (التي تولاها فرنسيّون إعداداً وعزفاً)، فلا إضافة تُذكر إلى الغنيّ والمعهود في أسلوب جوبيم (وغيره)، إذ شابته بعض الرتابة (نظراً إلى الفقر النسبي على مستوى تعدُّد الآلات) بددتها محطات مرتجلة جيدة بمعظمها (خاصة للفلوغِل هورن والسوبرانو ساكسوفون والأكورديون)، وأداء مميَّز لعازف الغيتار.
لكن ما الفرق بين «نوفا» و«مونودوز»؟ ثمة حقيقةٌ مُثبتة تاريخياً تقول إنّ الترتيب الكرونولوجي (بدءاً من الأقدم)، لأعمالٍ فنيّة (أو أدبية) تحمل توقيع مبدعٍ ما، لا يقابله بالضرورة تصاعدٌ تدريجي لقيمتها الجمالية. وهناك أمثلة كثيرة في عالم الموسيقى تؤكد الخلل أحياناً في توظيف الخبرة لصالح الأفضل، فيأتي عمل اليوم أقلّ نجاحاً من إبداع الأمس. مِن هذا المنطلق، ليس في الأمر ما يدعو إلى القلق ويجب ألّا يمثّل جديد سلمى معيار التقويم العام. علماً بأنّ المسؤولية الموسيقية المباشرة يتحملها الموسيقيون الذين نفّذوا العمل. هكذا، باستثناء كتابة النصوص، تنحصر مسؤولية سلمى فقط في اختيارها المنفِّذ... لكنّ المسؤولية الأكبر يتحملّها زياد الذي يتقن عمله إلى درجة يصعب معها تخطيه في معظم الأحيان، والأمثال كثيرة.