يجتمع «ممثّلو وسائل الإعلام» في بيروت ظهر اليوم، في مكتب وزير الإعلام طارق متري، لمناقشة «مسوّدة إعلان مبادئ» (راجع الوثيقة صفحة 19) «تتفق على احترامها المؤسسات الإعلاميّة اللبنانيّة». هذا الاجتماع سبقته طبعاً لقاءات ومداولات ونقاشات، تبلورت خلالها الوثيقة العتيدة التي من شأنها أن تُحفظ في مجلدات التاريخ: تاريخ الصحافة اللبنانيّة، إنما أيضاً العربيّة والعالميّة.في «الأخبار» التي بقيت أسرة تحريرها بمنأى عن تلك المبادرة، اكتشفنا باستغراب بنود «إعلان المبادئ» المشار إليه، وهي على درجة من العبثيّة، لكي لا نقول إنّها مثيرة لأخطر الشبهات حول نوايا مطلقيها وأهدافهم... كأنّ محرّري المسودة يخترعون الصحافة لتوّهم، في بلد كان مهد الصحافة العربيّة الحديثة منذ القرن التاسع عشر. وإذا كانت التقاليد العريقة لهذه المهنة التي هي ابنة الديموقراطيّة وصنوها، مختبرها الدائم وسندها الأول، لا تخفى غالباً على معالي الوزير ولا على ضيوفه الذين استدرجوا إلى اللعبة أو دخلوها بخيارهم، فما هي الدوافع التي تقف فعلاً وراء هذه المبادرة؟ ما حاجتنا إلى وثيقة تذكّر ببديهيّات من نوع «احترام الحق في المعرفة، ومعه التعبير عن الآراء المتنوعة»، «التمييز الواضح بين الرأي والخبر»، «قبول الاختلاف»، «تجنب الإفراط في النقد (...) والإثارة»، «التأكّد من المصادر»... وغيرها من القواعد التي يتعلّمها طلاب كليّات الإعلام (ويناقشونها) في أولى سنوات الدراسة الجامعيّة؟
الصحافي له الحقّ في أن يختار، بين المناقبيّة والارتزاق، بين الأمانة والتحريف. وهو يمثل في النهاية أمام محكمة القارئ... أما إذا كان هذا القارئ المتطلّب والنقدي غائباً، أو غير حاضر بما فيه الكفاية، فتلك أزمة سياسيّة وأخلاقيّة وثقافيّة ووطنيّة، لا يحلّها إعلان مبادئ. ما بوسع إعلان المبادئ أن يفعله، هو أن يشكّل سابقة خطيرة لتكبيل الصحافة والإعلام. أن يصادر الحق في النقد والجسارة والتهكّم والفضح، وتوجيه أصابع الاتهام إلى أسياد الزمن الرديء وعملائه ولصوصه وإقطاعييه الجدد... وأن يمنع كل محاولات إصلاح المؤسّسات الفاسدة المنخورة بسرطان الطائفية والمحسوبيات. فهل هذا ما يريده حقاً الوزير طارق متري؟
«ثقافة وناس»