مؤسّسات أقفلت، وأخرى أعلنت إفلاسها، وصحافيون صُرفوا بالجملة. نواقيس الخطر تدقّ في أروقة الصحف العالميّة، ومحاولات يائسة لمواجهة «العاصفة الهوجاء»... الإمبراطوريّات الكبرى تستغيث: اللهمّ نجّنا من الأعظم
صباح أيوب
15000 صحافي تمّ الاستغناء عن خدماتهم في الولايات المتحدة، 6،4 في المئة بلغت نسبة تراجع مبيع الصحف خلال الأشهر الستّة الماضية، و18 في المئة وصل انخفاض عائدات الاعلانات في المطبوعات خلال الربع الأخير من العام... وحديث عن «حرمان» بعض المدن الأميركية الكبرى من الصحف في عام 2010. هزّة قوية ضربت صناعة الصحف العالمية وسوقها أخيراً. إقفال مؤسسات، إعلان إفلاس، صرف موظفين، تعديل موازنة، تغيير مباني العمل، إلغاء مكاتب خارجية... والنظرة الى الحلول القريبة الناجعة تبقى تشاؤمية. ترددات الأزمة المالية العالمية طالت المؤسسات الصحافية فجاءت كالقشّة التي قصمت ظهر البعير، إذ كشفت عن تخلخل وضعف خطيرين في إمبراطوريات الإعلام المكتوب: مشاكل قديمة جديدة تراكمت وعولجت قدر المستطاع لكنّها لم تصمد أمام الخسائر الكبيرة التي خلّفتها الأزمة المالية الأخيرة... وها هي الصحف الأميركية تمرّ بوضع حرج لم تشهده منذ 1930!
بدأت مؤشرات أزمة جدّية تلوح في الأفق مع إقدام «غانيت» ـــ أول شركة إعلامية في الولايات المتحدة (تملك 85 صحيفة يومية) ـــ على صرف 2000 موظّف ثم تفاقم الوضع مع إعلان «تريبيون» ثاني أكبر شركة إعلامية أميركية (تمتلك «لوس أنجلس تايمز» و«شيكاغو تريبيون» وغيرهما) وضع نفسها تحت رعاية قانون الإفلاس الفصل الحادي عشر. وقد هزّ الأوساط الاعلامية أخيراً اعتراف سام زيل ـــــ أحد أكبر أغنياء أميركا ورئيس مجلس إدارة «تريبيون» ــــ بـ«عجزه عن مواجهة وضع اقتصادي ومالي استثنائي»، مبرّراً صرفه مئات الموظفين وخسارة بلغت 124 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
حمّى الصرف والتقشّف انتقلت الى «وول ستريت جورنال» (50 موظفاً) و«سان فرانسيسكو كرونيكل» (125 موظفاً) تزامناً مع إعلان صحيفة «نيويورك تايمز» أخيراً أنّها ستقترض 225 مليون دولار مقابل رهن مقرّها في مانهاتن وتسريح مئات الموظفين منذ بداية العام. الأمر نفسه ينطبق على مجلّة «نيوزويك» التي ستخفض إنتاجها لمواجهة تراجع كبير في نسبة المبيع. لكن رغم المفاجآت التي تتالت في الأشهر القليلة الماضية وربُطت بالأزمة المالية المستجدّة، الا أنّ مسؤولي المبيعات في معظم الصحف كشفوا عن مشكلة أخرى قديمة يعانون منها وهي تراجع مطّرد في نسبة الاعلانات عجزوا عن السيطرة عليه حتى الآن. ويعزو مديرو التسويق هذه الأزمة إلى سببين: الأوّل «هجرة» المعلنين الى المواقع الالكترونية التي بدأت منذ 2006، بينما نتج الثاني من الأزمة المالية التي «خطفت» كل الإعلانات الخاصّة بالمفروشات وصناعة السيارات وإعلانات التوظيفات...
وبينما تحاول المطبوعات جاهدةً الحفاظ على وجودها في ظل منافسة الكترونية كبيرة وأزمة مالية ضخمة، يتحدّث بعض المراقبين عن وجوب اعتماد الصحف استراتيجية فعالة وحاسمة هذه المرّة لأنّها «مسألة بقاء أو زوال»! لكن هل يكون الحلّ بتحوّل المطبوعات الكبرى الى صحف على الـ«نت» كما فعلت أخيراً صحيفة «كريستشيان ساينس مونيتور»؟ الجواب يبقى ضبابياً خصوصاً أنّ الأرباح التي تحقّقها أنجح الصحف على الانترنت لا تعادل أرباح الطبعات الورقية. وبينما تنشغل الصحف الأميركية بإعادة هيكلة وضعها الداخلي، فإنّ الأزمة لم توفّر الصحف البريطانية التي سجّلت تراجعاً في المبيع والأرباح السنوية وعائدات الاعلانات أيضاً. أمّا الصحف الفرنسية فقد ابتُليت بأزمة «من صنع وطني» هي قرارات الرئيس نيكولا ساركوزي بإلغاء الاعلانات وصرف الموظفين واحتكار الإعلام الرسمي... ما لن يقيها عملياً شرور الأزمة الحالية.