الحرب العالمية الثانية هي إطار Inglorious Bastards. «مخرج الأفلام المجنون» يعود إلى القتل والهلوسة، ولا شيء جديد في هذا الخصوص
زياد عبد الله
ما زال أمام كونتين تارنتينو (1963) زمنٌ لا بأس به، حتى يقترف المزيد من الأفلام. هناك 15 فيلماً يريد أن يخرجها، ومن ثم سيتفرّغ لإدارة مسرح في قرية نائية حتى يقول عنه الناس هناك «إنّه مخرج الأفلام المجنون». إنّها النهاية التي يتمنّاها رغم بحثه الحالي عن قتلة جدد خرَج أوّلهم عام 1992 مع Reservoir Dogs وجاء أطرفهم وأغربهم عام 1994 مع Pulp Fiction (سعفة «كان» الذهبية). وها هو يصل الآن إلى مساحة قتل عذراء مع جديده Inglorious Bastards (أولاد الحرام المجهولون) حيث سيضعنا أمام أولئك «السفلة» الذين لا يعرفون الرحمة وهم يواجهون مَن يسمّونهم «سفلة» أيضاً، أي ضباط الجيش الألماني النازي. إذ إنّ جديد تارنتينو يطمح إلى تصوير عمليات انتقام مجموعة قتلة يهود أميركيّين من أولئك الضباط.
يأتي تارنتينو إلى مشروعه الجديد بعد فيلم Grindhouse أو Deathproof وهو الجزء الذي أخرجه مع روبرت رودريغز صديقه وصاحب «مدينة الخطيئة». وقد جاء الفيلم بمثابة تحية كبيرة للرداءة، واستجابة عجيبة للحنين إلى أفلام الدرجة الثانية الملقّبة أميركياً بـ B Movie. في «غريند هاوس»، الباب مشرّع على مصراعيه لأكلة لحوم البشر، وتلك التي تقطع ساقها فتستعيض عنها برشاش هائل، والكاهن الذي يقتل بالساطور وقد ارتدى معطفاً جلدياً كما في «ماتريكس».
الهلوسة التي ذكرناها تأتي مشفوعةً بتاريخ تارنتينو الشخصي الذي ترك المدرسة وهو في الـ 16 من عمره، ودخل السينما من الشباك... حيث عمل في متجر «منهاتن بيتش فيديو أركايف» وشاهد آلاف الأفلام بكل أشكالها وأنواعها ولم يوفر الغث والنفيس: كاراتيه ومصاصو دماء ومشعوذون وقتلة وأفلام لغودار وأخرى لسكورسيزي وخلط عجيب بينها جميعاً، تلك كانت مدرسته الحقيقية.
هو المخرج والسيناريست وصاحب الجهوزيّة التامة للاستعانة بكل ما في متناوله ليدهشنا، أفلام تأتي دائماً تخليداً للقتل، ترتبط بكل ما سبقها من أفلام شاهدها تارنتينو ويستحضرها ليحرّفها أو يمسخها أو يطورها، فأعتى المقاتلين يستغرق قتله زمناً أقل بكثير ممن حوله من أتباع وحراس، مع موسيقى رومانسية هادئة، بينما الثلج ينهمر.
أما جديده «أولاد الحرام المجهولون»، فكل ما فيه يقود إلى بحر من الدماء، لا ينخفض منسوبه ما دام الحديث هنا عن فرقة من الجنود الأميركيين يهبطون في فرنسا التي يحتلها الجيش الألماني، ويمضون قدماً في قتل الضباط والجنود الألمان، وبأساليب مبتكرة، لعل أقلها ابتكار حز فروة الرأس. وعلى كل جندي أن يحضر مئة فروة رأس لنازي أو الموت بهدف بلوغ هذا الرقم كما يأمرهم رئيس الفرقة الملازم راين (براد بيت).
يحمل الفيلم العنوان نفسه لفيلم إيطالي أخرجه اينزو كاستلاري عام 1977. لكنّ تارنتينو ينفي أن يكون فيلمه إعادةً له، بل يريده شكلاً من أشكال التحية لكاستلاري. لا نعرف إلى أين ستمضي به هذه التحية، وخصوصاً أنّ مرحلة الحرب العالمية الثانية هي شيء جديد على تارنتينو في هذا الفيلم. كما أنّ طاقم الممثلين المشاركين في العمل، يُخرجه للمرة الأولى من دائرة هارفي كيتيل وأوما هارثون اللذين شاركا في أفلامه السابقة، فالبطولة هنا لبراد بيت الذي يجسّد شخصية الملازم ألدو راين مع مشاركة ديان كروغر ومايك مايرز. الألمان متخوّفون كثيراً من الفيلم، إذ يجدون في تجسيد مآسي الحرب عبر ثقافة «البوب» أمراً محفوفاً بالمخاطر، وخصوصاً مع مقاربة تارنتينو التاريخ بخفّة عزّزها بإعلانه «لا أريد لفيلمي أن يكون تاريخياً. أريده كما لو أنه يحدث الآن».
الألمان يفضلون «فالكيري» فيلم توم كروز لكونه ذي هم توثيقي وتاريخي، ولا يجدون في تارنتينو ما يخوّله الاقتراب من النازية، أو حتى الهولوكوست اللصيق بستيفن سبيلبرغ ورومان بولانسكي، وهم لا يريدون أن يشاهدوا أحدهم يحفر على وجه ضابط الصليب المعقوف، وآخر يهشّم رأس ضابط ألماني بعصا البايسبول.