حسين بن حمزةالأوضاع الأمنية التي كانت عنواناً رئيسياً للحصاد الثقافي في العامين الماضيين، استمرت حتى منتصف 2008. إذْ قضمت نصف الأجندة الثقافية الاعتيادية رغم أن نشاطات ثقافية عدة أقيمت في ظلّها، وبعضها أقيم بين توتر وآخر في شوارع العاصمة. ولا مبالغة إن حصرنا الكلام على حصاد نصف عام، أي فهرسة الفعاليات الثقافية بدءاً من لحظة استتباب الأمن في العاصمة، عقب اتفاق الدوحة. لكن الأخطر أن «اتفاق الدوحة» الذي ألزم السياسيين بالتهدئة، حوّل التوتر السياسي والأمني إلى حقل المثقفين والإعلاميين.
بجوار هذه الظروف غير الاعتيادية، عاشت ثقافة 2008. في هذه السنة، عادت مهرجانات الصيف إلى دورتها الطبيعية، وأبرزها «بعلبك» و«بيت الدين» و«بيبلوس». واستقبل معرضا الكتاب، الفرنسي والعربي، زوّارهما من دون تعكير أمني. عادت العروض العربية والأجنبية إلى فضاء المدينة التي كثيراً ما كانت مختبراً لما هو جديد وطليعي... وهو ما أظهرته عروض الرقص والمسرح والتجهيز في برنامج «أشغال داخلية»، وعروض «ملتقى الرقص المعاصر” الذي تنظمه فرقة «مقامات» بإدارة عمر راجح.
ولا ننسى مسرحية «خمسون» التي افتتح بها التونسي الفاضل الجعايبي «مهرجان الربيع» على مسرح «دوار الشمس»، وعودة توفيق الجبالي في «مذكرات ديناصور» على «مسرح مونو»، إلى جانب عروض محلية كـ«عودة طائر الفينيق» لمنصور الرحباني، «قدام باب السفارة كان الليل طويل» لنضال الأشقر، و«مقام الجدي» لرئيف كرم... وأعمال الدورة الخامسة من «مهرجان عروض الشارع» الذي ينظمه «زيكو هاوس».
«أيام بيروت السينمائية» و«مهرجان بيروت السينمائي» مرّا بسلام، فيما كانت وطأة السياسة والأمن أخف على صعيد النشر. إذ لا تحتاج الكتب إلى شروط أمنية ولوجستية معقّدة كي تخرج من المطابع. في الشعر، واصلت الدواوين الجديدة الازدهار الذي شهدته في 2007، وخصوصاً تلك التي ضمتها سلسلة «دار النهضة”، فقرأنا لفؤاد رفقة (عودة المراكب)، عباس بيضون (الموت يأخذ مقاساتنا)، والأعمال الكاملة لوديع سعادة، عصام العبد الله (مقام الصوت)، أنطوان أبو زيد (فضاء حر)، محمد العبد الله (زهرة الصبار)، عبده وازن (حياة معطلة)، عقل العويط (إنجيل شخصي)، الأعمال الكاملة لمروان حص (مترجماً عن الفرنسية)، اسكندر حبش (الذين غادروا)، يحيى جابر (للراشدين فقط)، نوري الجرّاح (الأعمال الكاملة)، سوزان عليوان (كل الطرق تؤدي إلى صلاح سالم)، زاهي وهبي (يعرفك مايكل أنجلو)، نصري الصايغ (مقام الجنس وتصوف الحواس)... بينما أصدر حمزة عبود أنطولوجيا للشعر اللبناني وأنجز فؤاد رفقة أنطولوجيا للشعر الألماني بالعربية.
في المقابل، حضر أدونيس ناثراً في «رأس اللغة جسم الصحراء» و«الكتاب ـــ الخطاب ـــ الحجاب»، وشوقي بزيع في «هجرة الكلمات»، واسكندر حبش في «حكاية الحكايات». في الرواية، كانت العناوين الجديدة أقل عدداً، فحضر حسن داوود (مائة وثمانون غروباً)، وربيع جابر (اعترافات)، وياسين رفاعية (أهداب)، والشاعر شربل داغر (وصية هابيل)، وهالة كوثراني (استوديو بيروت).... وكانت رواية «مطر حزيران» لجبور الدويهي، و«أنتعل الغبار» لمي منسى ضمن القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» العربية في دورتها الأولى. أما صالات الفن التشكيلي، فعاشت الظروف الاستثنائية نفسها في النصف الأول من العام، قبل أن تستعيد نشاطها لاحقاً، وبين مَن عرضوا نذكر حسين ماضي، أمين الباشا، حسن جوني، محمد الرواس، جان ــــ مارك نحّاس، جوسلين صعب، والسوري سبهان آدم، فضلاً عن معارض لافتة للجيل الجديد مثل أسامة وأيمن بعلبكي وتغريد درغوث...
أخيراً، لا بدّ من التذكير بأن الحياة الثقافية اللبنانية خسرت اسمين بارزين: الكاتب والناشر الكبير سهيل إدريس، والمخرجة رندا الشهال.