سعد هاديبعد 20 شهراً على الانفجار الذي وقع في شارع المتنبي ــــ شارع الثقافة والمكتبات ــــ أعيد افتتاحه أخيراً في احتفال رسمي. وكان الشارع تحوّل إلى ركام من الأنقاض والأجساد والكتب والمخطوطات المحترقة إثر انفجار سيارة ملغومة في 2007. وبدا لأشهر أنّ المركز الرئيس للثقافة العراقية بما يحمله من رمزية تاريخية واجتماعية اختفى من الوجود إلى الأبد، فهل تمثّل إعادة افتتاحه نقطة تحول في مسار الوضع السياسي والأمني في العراق؟ أم هي حركة استعراضية رسمية للإيحاء بعودة الحياة إلى ثقافة منهكة ومشتتة، لم يتكوّن فيها، رغم مرور خمس سنوات، تيّار واضح وجاد لمقاومة الاحتلال.
ومن وجهة نظر لمؤسسة يبدو المشهد العراقي بائساً كلّ البؤس. مبدأ المحاصصة السياسي استمرّ باستقدام وجوه مغمورة لتحتلّ واجهة الثقافة وتتحكم بمقاليدها: وزير الثقافة الحالي أستاذ جامعي شبه مجهول في الوسط الثقافي العراقي، جاء ليشغل المقعد الذي تركه سلفه الذي اتهم بتنفيذ عمليات إرهابية. ولأسباب أمنية وطائفية، انقسمت الوزارة على نفسها مكانيّاً ووظيفياً. أما عملية تأسيس مجلس أعلى للثقافة، فظلّ فكرة غامضة تتعثر بين الدواوين الحكومية، بينما يعاني اتحاد الكتاب والأدباء، وهو المؤسسة الثقافية العريقة التي ساهم في تأسيسها في الخمسينيات جيل الريادة والتأسيس، مشاكل لا تنتهي. وقد طرد أخيراً من عضوية اتحاد الكتاب العرب، بعد مطالبته رئاسة الاتحاد بإعلان موقف واضح من الاحتلال وبإجراء انتخابات نزيهة... الإدارة الحالية للاتحاد العراقي التي تسيطر عليها ترويكا ذات صبغة شيوعية (فاضل ثامر، ألفريد سمعان، إبراهيم الخياط) ترفض إصدار بيان ضد الاحتلال، لأنّ ذلك يعني اتخاذ موقف سياسي يتداخل مع المهمات الثقافية. كما ترفض إجراء انتخابات طال انتظارها، لأنّ ذلك سيفقدها المكاسب التي حصلت عليها في ظل الفوضى التي أعقبت الاحتلال، كما أنها تلمح إلى أن رحيلها يعني سيطرة رموز القوى الطائفية على مقاليد الأمور.
ورغم تحسن الوضع الأمني نسبياً، فلم تزل معظم الفعاليات الثقافية تقام صباحاً من دون جمهور تقريباً، بل إنّ الذهاب إلى هذه الفعاليات محفوف بالمخاطر. قبل يوم واحد من عرض مسرحية «جيب الملك جيبه» التي تنتمي إلى نمط الكوميديا السياسية، وهي من إخراج حيدر منعثر، وقع انفجار قرب المسرح الوطني الذي شهد عرض المسرحية. ورغم البهرجة الإعلامية التي أحاطت بالمسرحية، فإنّها لم تستمر سوى أيام محدودة. أما المسرحيات الجادة أو التجريبية التي يقدمها مؤلفون ومخرجون شباب فلا تعرض إلا مرة أو مرتين ثم تدخل سجلات الأرشيف أو تهاجر مع طواقمها المحدودة إلى المهرجانات الخارجية. حال السينما ليست أفضل بل ليست هناك سينما عراقية سوى ما يقدمه سينمائيون عراقيون في الخارج، بينهم قاسم عبد الذي فاز شريطه الوثائقي الطويل «حياة ما بعد السقوط» بالجائزة الذهبية في «مهرجان ميونيخ للأفلام الوثائقية» و«مهرجان الأفلام العربية» في روتردام.
قائمة الراحلين في 2008 بدأت بنقيب الصحافيين شهاب التميمي الذي اغتيل في ظروف غامضة... كما اغتيل الكاتب كامل شياع خلال عودته إلى بيته، وأثار اغتياله موجة من الغضب في الوسط الثقافي الذي اعتبر هذا الاغتيال إشارة إلى استمرار الصراع بين القوى السياسية التي تستخدم كل الوسائل للنيل من خصومها. فؤاد التكرلي الروائي الأبرز عراقياً رحل في عمان عن 81 عاماًً، كما رحلت بهيجة الحكيم التي اشتهرت بمنمنماتها الشرقية. كما رحلت في بغداد تشكيلية كبيرة هي نزيهة سليم آخر من بقي من آل سليم، العائلة التي قدمت مجموعة من أبرز فناني العرق (أبرزهم النحات والرسام جواد سليم). أما في فنلندا، فرحل الناقد والمترجم إبراهيم اليتيم الذي كان من مؤسسي اتحاد الأدباء.