strong>نجوان درويشتبدو أبرز «الأحداث الثقافية» في فلسطين المحتلة 2008 أحداثاً مؤسفة؛ تغمست في الأيّام الأخيرة بدم أطفال غزّة. غياب محمود درويش و«الوقائع الغريبة» في اختفاء «القدس عاصمة الثقافة العربية 2009» (وليس الوقائع الغريبة في اختفاء المتشائل).
في 2008، صارت بوادر الإخفاق المبكر لفعالية «القدس عاصمة للثقافة العربية 2009» أكثر وضوحاً مما كانت عليه لدى الإعلان عنها في 2006. قلة الكفاءة الجماعية للمؤسسة الفلسطينية والعربية في التعامل مع حدث بخطورة إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية وهي ما زالت محتلة، بدت أمراً لا يمكن دفعهفي 2008، ودّعت فلسطين محمود درويش في لحظة انكسار (والأصح اهتراء) وطني. شاءت لحظة تاريخيّة أن يحمل اسمها، وشاء قلبه أن يغيب في أحلك لحظاتها. دُفن على تلة في المنطقة الصناعية في «بيتونيا» من ضواحي رام الله. تلة تقابل «قصر الثقافة» الذي بني منذ سنوات بتمويل صيني، وليست بعيدة عن مبنى جريدة «الأيام» التي أُسست بعد «أوسلو» (التصريحات الرسمية قالت وقتها إن التلة تطل على القدس!). التأبين الرسمي الذي جرى في «المُقاطعة» اقتصر على الرسميين ومنع الناس من الدخول. أُحضر سميح القاسم من النسيان باعتباره رفيق درب المرحوم، رغم خصومتهما في السنوات الأخيرة. القاسم تجلّى في خطبة طنانة طاشت عن الجثمان المسجى.. وأنهاها بجهشة اصطناعية. كان المشهد مؤلماً وصغيراً، وحدها أمّ الشاعر على كرسيها المتحرك كانت تحتفظ ببقايا هيبة وجلال بلد تدفن شاعرها.
هل هذا كل شيء في 2008؟ و«الأحداث الأخرى»؟ بوارق الأمل ومبددات اليأس؟ ماذا عن المعارض وحاصدي الـ«جوائز عالمية»؟ إميلي جاسر نالت جائزة «هوغو بوس»، رجا شحادة فاز بجائزة «جورج أورويل» عن كتابه «سرحات فلسطينية» (صدر بالإنكليزية عن «بروفايل بوكس»). هل هذا كل شيء؟ والذين فازوا بمنح تمويل الصندوق العربي قبل أسبوع؟ ثلث متلقي تلك المنح كانوا من فلسطين، وهي النسبة الأكبر المترشّحة بين العرب. هل السبب أننا منذ «أوسلو»، صرنا محترفين في تقديم طلبات التمويل؟ ورغم أنك تعتقد أنّ تمويلاً عربياً للثقافة في فسطين، وخصوصاً شطرها المحتل عام 1948 أمر ضروري قد يحدّ من مزالق الأسرلة الثقافية؛ إلا أنك، مع استعراض بعض الأسماء الفلسطينية الممنوحة، تظن أنّ المبدعين، وخصوصاً الشباب، في سوريا ومصر والعراق يستحقونها أكثر.
هل هذا كل شيء؟ و«مسارات» (موسم فلسطين الثقافي والفني في بلجيكا) الذي عمل سنةً كاملةً وكان كاتب هذه السطور من شهود نجاحه في بلوغ مساحات جديدة لم تبلغها فنون فلسطين في الساحة الأوروبية، وخروجه من حلقات نادي المتضامنين مع قضيتنا، إلى جمهور جديد يدخل فلسطين من باب ثقافتها لا من باب التضامن فقط.
هل هذا كل شيء؟ والكتب القليلة التي صدرت؟ المجموعات الشعرية الجديدة: «أحجار البهت» لزكريا محمد، و«كطير من القش يتبعني» لغسّان زقطان الذي حرر أيضاً كتاب «القصيدة الفلسطينية المعاصرة» (مختارات لـ16 شاعراً فلسطينياً بالفرنسية) وصدر ضمن موسم «مسارات»... وما كتبه الشباب في غزة، في الحصار، على أبواب المذبحة، وما اختنق في حناجرهم وما ذبل في مخيلاتهم. «ابنة خالتي كوندليزا» مختارات قصصية لمحمود شقير، و«سأكون بين اللوز» الكتاب الأخير الذي تركه حسين البرغوثي (صدرا في ترجمة فرنسية عن «اكت سود»)... والمهرجان الفلسطيني السوري «إلى الجولان»، وتلك الأسابيع الخصبة في هضبة التفاح... امسح مرارة أنك دخلت سوريا للمرة الأولى لأنّ شطراً منها «يتيحه» لك الاحتلال! امسح مرارة أنّ أهل القدس وسائر فلسطين لا يصلون إلى دمشق إلا بمعاملات صعبة و«مكاتب خدمات»! امسح مرارة أنّ سائحاً أجنبياً بإمكانه أن يصل إلى قبر صلاح الدين وأنتَ لا.
هل هذا كل شيء؟ والصعاليك الذين رحلوا بجنازات صغيرة وغِراس عشوائية تركوها؟ محمد طمليه رحل في عمان بعد مرض طويل. يسألني صديق: وهل طمليه فلسطيني؟ أجيبه: فلسطيني لاجئ، وأردني أثّر في كثيرين، تجد تأثيره في كاريكاتورات عماد حجاج... والشاب الطيب عايد عمرو الذي توفي منذ ثلاثة أسابيع في مستشفى في رام الله، وعبروا به «الجسر» ليدفن في مقبرة المخيم عند أهله في الأردن. محظوظ يا عايد، لم يجلبوا سميح القاسم لتأبينك! هل هذا كل شيء يا 2008؟