حصاد ثقافيّ حافل بالأحداث والمحطات، مطبوع بتراجيديا الغياب، بالتمزّقات والمذابح... والولادات الجديدة. هنا بعض المحطات التي لا يمكنها أن تختصر الماضي القريب... بعض ما تستعيده الذاكرة اليوم، ونحن نقف على مشارف عام جديد، نتمنّى أن يكون أفضل من الذي سبقه: أن يكون أرضاً خصبة لمشاريع الانفتاح والتقدّم والحريّة، وأن يحتضن نتاجاً إبداعيّاً وفكريّاً من شأنه الوصول إلى أوسع دائرة من الناس، كي يشرّع لنا أبواب مستقبل آخر

جوائز




«مؤسسة ابن رشد للفكر الحر» منحت جائزتها السنويّة لمحمد عابد الجابري، المفكّر المغربي الذي يُعدّ اليوم من منارات الفكر النهضوي. صاحب «نحن والتراث» نشر كتب ابن رشد الأصيلة بعد تحقيقها والتقديم لها، وأسّس منذ الثمانينيات لمنهج جديد في مقاربة التراث، ثم اشتغل على مشروع «نقد العقل العربي». وفي بيروت، صدر حديثاً الجزء الثاني من كتابه «فهم القرآن الكريم» (مركز دراسات الوحدة العربيّة). أما «الملتقى الرابع للرواية العربية» في القاهرة، منح جائزته للمصري المعروف إدوار الخراط... فيما فاز بهاء طاهر أبرز كتّاب جيل الستينيات المصري، بجائزة «بوكر العربية» عن روايته «واحة الغروب».

فنون مشهديّة




اكتشاف الموسم كان بلا شك عرض نانسي نعوس المسرحي الراقص «لحظة تلاشي». الراقصة اللبنانية الشابة فرضت حضورها بكتابة كوريغرافية متقنة ومضبوطة وبعمل متعدد العناصر والوسائط يوظف الفيديو. وقد عادت الفنانة اللبنانية نضال الأشقر إلى الخشبة بعرض مع الشاعر عيسى مخلوف بعنوان «قدام باب السفارة الليل كان طويل». يمثّل العرض الذي يجمع بين الغناء والأداء الحركي والعناصر البصرية مجموعة من الممثلين الشباب الذي يحكون مأساتهم وحلم الهجرة من لبنان. أما المسرحي المعروف شكيب خوري، فعاد بدوره إلى المسرح بعمل عنوانه «الزير سالم والدكتور فاوست»، وهو احتفال مشهدي ــــ فلسفي كتبه ليارا بونصّار وسليم علاء الدين وأخرجه فوق خشبة متقشّفة شبه عارية أشبه بحلبة صراع.

تشكيل




تكللت السنة التشكيليّة بفوز لارا بلدي بجائزة «بينالي القاهرة» على تجهيزها «برج الأمل»، وكانت بدأت بمعرض لوليد رعد في بيروت الذي يحمل عنواناً معبّراً: «تاريخ الفنّ العربي الحديث والمعاصر ـــ الجزء الأوّل ـــ الفصل الأوّل: بيروت 1992 ــــ 2005». المحطات المثيرة للاهتمام كثيرة، نكتفي منها بالإشارة إلى بروز جيل جديد في بيروت: أيمن بعلبكي في Transfiguration Apocalyptique استعاد تداعيات تموز ٢٠٠٦، وتمارا السمارّائي في «أوزان خفيفة» واصلت اللعب مع أسرار الطفولة، وتغريد درغوث في «مرآتي، مرآتي» وضعت تحت المجهر مفاهيم الجمال المعاصرة. من الجيل الوسيط نذكر جان ـــ مارك نحّاس الذي يمضي مع «تجليات العذوبة والعنف» في هندسة الهوس وفرقعته. من جيل الروّاد هناك معرض «تحيّة إلى المرأة» لحسين ماضي، فيه يطلق فيه السجيّة لانحناءاته وألوانه المتوسطيّة. ولا بد من الإشارة إلى «عودة الروح»، تجهيز الإسكتلندية جاين فريري في ستينيّة النكبة. أما «مفاجأة الموسم»، فمعرض فوتوغرافي بعنوان «عقل ــــ أيقونات ــــ أحاسيس» للسينمائيّة جوسلين صعب التي تتلاعب بالإشارات والرموز

غياب



محمود درويش خانه القلب في هيوستن (الولايات المتحدة). ودفن في رام الله عند تلّة تطل على القدس... في انتظار العودة إلى الجليل. وغيّب الموت في بيروت سهيل إدريس الأديب والمترجم والناشر ورجل القواميس، بعد رحلة طويلة من التكوين الأزهري إلى الصخب الوجودي، ومن الحلم الناصري إلى زمن النكسات. وفُجع الوسط السينمائي برحيل المخرجة اللبنانيّة رندا الشهّال التي تركت أفلاماً عدّة بعضها مثير للجدل. أما الفنّ السابع فلبس الحداد على عميده يوسف شاهين الذي أعطى السينما العربيّة بعض أجمل أفلامها من «باب الحديد» إلى «اسكندريّة نيويورك». وشيّعت القاهرة عبد الوهاب المسيري، المفكّر الذي فكّك المسألة الصهيونيّة، وترك مؤلفات مرجعيّة مثل موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية». كما ودّع المصريون الناقد المعروف رجاء النقاش الذي قدّم للثقافة العربية في وقت مبكر أسماءً من وزن محمود درويش والطيب صالح وحجازي. ورحل في عمّان فؤاد التكرلي، آخر رموز جيل الخمسينيات في الأدب العراقي. وعلى درب الجلجلة العراقيّة سقط الكاتب والأكاديمي كامل شيّاع الذي اختار العودة إلى بغداد بعد ربع قرن في المنفى، فاغتاله مسلحون على جانب الرصافة

موسيقى



للسنة الثانية، استضاف المخرج العراقي جواد الأسدي، في مسرحه البيروتي، مجموعة فنانين جاؤوا لإحياء «أماسٍ رمضانية» من لبنان وسوريا والعراق ومصر. هكذا، حفل برنامج «بابل» ببرنامج منوّع، وارتفع عدد المواعيد هذه السنة إلى تسع أمسيات اجتمعت على عنوان عريض هو الفنّ العربي الأصيل أو البديل. ومن المحطّات اللافتة كانت «سهرة مع المقام العراقي» التي قدّمها حسين الأعظمي، وهو يُعدّ أحد أبرز الوجوه المعاصرة في مجال هذا الفن الغنائي الخاص بالعراق والمتوارث منذ العصر العباسي. وكان للإنشاد الصوفي حصته مع المصري مصطفى سعيد. كما أطلقت المطربة سمية بعلبكي أسطوانتها «تانغو عربي» (فوروورد) بينما عاد شربل روحانا إلى حبّه الأوّل: الموسيقى الصرفة بعيداً من الكلمة. «شغل بيت» (فوروورد) ألبوم عازف العود اللبناني احتوى على مقطوعات شرقية تحتلّ فيها العفوية حيزاً مهماً من خلال التقاسيم والتفاعلات الموسيقية. أمّا المغنّية المصرية دنيا مسعود التي التقاها الجمهور اللبناني في الحانات البيروتية، فأصدرت أخيراً باكورتها «محطّة مصر» (عرب/الحمرا) التي حوت مجموعة من التسجيلات الحيّة لروائع التراث الغنائي الشعبي المتوراث في مناطق صعيد مصر.

مهرجانات




في إطار «أشغال داخليّة»، المهرجان الفني الثقافي الذي تنظمه جمعية «أشكال ألوان» في بيروت، كان الجمهور على موعد استثنائي مع آن تيريزا دي كيرسماكر التي قدّمت عرضها الراقص «ذات مرة» وهو صولو ضد الحرب الاستعمارية ترقصه على صوت جون بايز.
وفي المهرجان نفسه، عرضت الباحثة وفنانة الغرافيك ـــ ديزاين زينة معاصري جزءاً من مجموعتها التي تحاول قراءة الحرب اللبنانية من خلال الملصق السياسي. وقد أصدرت بحثاً بعنوان «ملامح النزاع» في السياق نفسه.
«أيام بيروت السينمائية» أعلنت ولادة مخرج لبناني شاب هو سيمون الهبر الذي قدّم باكورته «سمعان بالضيعة» وهو فيلم عن الذاكرة والحرب. لفتت احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» بنوعية العروض المسرحيّة العالميّة التي استضافتها. ولعلّ أبرزها مسرحيّة المعلم البريطاني بيتر بروك «فاروم.. فاروم» (لماذا، لماذا) و«المفتّش الكبير» عن رواية دوستويفسكي «الإخوة كارامازوف».
أما المخرج اللبناني روجيه عسّاف، فقد نال جائزة بينالي البندقية عن مجمل تجربته المسرحية، وقد أصدر الجزء الأول من «تاريخ المسرح» من وجهة نظره في بيروت.

حدث



العاصمة السوريّة كانت هذه السنة على موعد استثنائي مع «غيفارا الموسيقى العربية»... إذ قدّم زياد الرحباني أربع أمسيات في قلعة دمشق بين 15 و18 آب (أغسطس) 2008 ضمن فعاليّة «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008».
زياد الرحباني الذي تتعاطى معه شريحة واسعة من الشباب العربي بصفته سفير الحريّة وصوت التغيير، أطلّ للمرة الأولى على جمهوره السوري عازفاً على البيانو برفقة أوركسترا مؤلفة من حوالى خمسين موسيقياً. والجمهور الذي قدر بحوالى خمسة آلاف شخص في كلّ أمسية تفاعل مع الرحباني إلى درجة دفعت صاحب «كيفك إنت» إلى التصريح «صراحةً لم أتوقع هذا التفاعل الذي لم أشهده سابقاً». هكذا، فإنّ حفلات زياد الرحباني في دمشق، توّجت فعاليات الصيف بأكبر تظاهرة موسيقية تشهدها عاصمة الأمويّين.

سينما




أبرز صنّاع السينما المستقلّة في مصر حقّقوا أكثر من «انتصار». إذ فاز فيلم «عين شمس» للمصري إبراهيم البطوط بجوائز في مهرجانات عدّة أبرزها «روتردام» و«قرطاج»، وحصلت شركة «العربية» على حق توزيعه... كل ذلك يمثّل اعترافاً «تجارياً» بقدرة السينما المستقلة على احتلال حيّز وسط «وحوش» الإيرادات.
ومن فلسطين، فاز «عيد ميلاد ليلى» للفلسطيني رشيد مشهراوي بجائزة أفضل سيناريو في «مهرجان القاهرة السينمائي»، فيما كانت آن ماري جاسر نجمة المهرجانات بلا منازع. إذ شاركت باكورتها الروائية الطويلة «ملح هذا البحر» في تظاهرة «نظرة ما» خلال مهرجان «كان» وصولاً إلى «أيام بيروت السينمائية» فمهرجان «دبي» حيث نالت جائزة السيناريو.
أمّا فيلم يسري نصر الله «جنينة الأسماك» الذي شارك أيضاً في « أيام بيروت»، فجاء ليرصد الراهن المصري والأفق الاجتماعي المسدود. ومن لبنان، أطلّ سمير حبشي بعد غياب سنوات بفيلمه «دخان بلا نار» وبرهان علوي بـ «خلص» والثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج بـ «بدّي شوف».
وإذا كان هناك من شريط قسّم النقّاد حقّاً وأثار جدلاً لا ينتهي فهو وثائقي «سلطة بلدي». إذ رصدت المخرجة المصرية نادية كامل رحلة والديها لزيارة أقارب الوالدة في «إسرائيل» بعد فراق خمسة عقود ونصف عقد.

بينتر والآخرون



في آخر أيام السنة، وفي ليلة الميلاد تحديداً، انطفأ الكاتب البريطاني الشهير هارولد بينتر. صاحب نوبل للآداب (٢٠٠٥) الذي يُعدّ من رموز جيل الغضب في المسرح الإنكليزي، برز ممثلاً ومخرجاً وكاتب سيناريو... وطغت على مرحلته الأخيرة المشاغل السياسيّة في الكتابة والنضال المباشر، ضد الاستعمار الغربي الجديد والحروب التي يخوضها في العراق وأفغانستان. ورحل أيضاً بطرك «الرواية الجديدة» الفرنسي ألان روب غرييه الذي صدم معاصريه واخترع مستويات سرديّة وزمنيّة تقطع مع الأدب السائد. أمّا ألبير قصيري الذي يُعدّ اليوم من رموز الأدب الفرنسي فرحل عن ٩٤ عاماً، في غرفة الفندق التي اتخذها ملجأً ليأسه الأرستقراطي منذ عقود... وفي حي سان جرمان دي بري الباريسي الذي اصطفاه جمهوريّة فاضلة منذ ١٩٤٥. وتوفّي في روسيا ألكسندر سولجينتسين أشهر «المنشقين السوفيات» وصاحب «نوبل للآداب» (1970) الذي عرف بمواقفه المحافظة وبشوفينيّة لامست حدود اللاساميّة. وكانت جائزة «نوبل» هذا العام من نصيب الفرنسي جان ـــ ماري لو كليزيو بصفته «كاتب القطيعة، والمغامرة الشعريّة، والنشوة الحسّيّة».

قضايا



أقيل أمين الزاوي من منصبه أميناً عاماً لـ«المكتبة الوطنية» في الجزائر، بعد حملة شنّها عليه الإسلاميّون على خلفيّة استضافته أدونيس الذي ألقى محاضرة استفزّت بعض الحاضرين فاتّهموه بـ«التطاول على أرض الشهداء وإهانة الإسلام». وفي مصر، ربح الشيخ يوسف البدري جولةً في حربه المفتوحة على المثقفين. إذ قضت المحكمة بتغريم الناقد جابر عصفور مبلغ 50 ألف جنيه بسبب وصفه البدري بـ«المتطرف» خلال معرض دفاعه عن الشاعر عبد المعطي حجازي في معركته ضدّ البدري وقوى الظلامية في مصر. أما في لبنان، فأثار كتاب «مدينة» الذي أعدّته جمانة حداد (صدر بالإنكليزية عن «كوما بريس») جدلاً بعدما أُشرك إسرائيلي في المشروع، هو إسحق لاؤور الذي كتب عن تل أبيب، إلى جانب أدباء عرب كتبوا عن مدنهم.