أعمال عربيّة وعالميّة تجد طريقها إلى الجمهور السوريدمشق ـ خليل صويلح
في غياب الأفلام العربية والعالمية الجديدة عن الصالات طوال العام تقريباً، يمثّل «مهرجان دمشق السينمائي الدولي» طوق نجاة للمشاهد السوري. إذ يتيح هذا المهرجان الذي انطلق أول من أمس في دار الأوبرا ويستمر حتى 11 الحالي، فرصة استثنائية للتعرف إلى تجارب وأفلام يسمع عنها ولا يراها. المهرجان الذي صار سنوياً، يراهن في دورته الـ16 على مواكبة أحدث ما تنتجه الاستوديوهات العالمية، سواء في مسابقته الرسمية أم لجهة التظاهرات الموازية، وهي كثيرة على أي حال. حتى أن المرء يحار في كيفية متابعة كل ما تقترحه الدورة. هناك 270 فيلماً، بينها 23 في المسابقة الرسمية وسبعة أفلام في عرضها الأول من إيطاليا، ألمانيا، بلجيكا، فرنسا، إسبانيا، اليابان، إيران، أوستراليا، أميركا، مصر، سوريا، المغرب، الجزائر.. إضافة إلى مسابقة الأفلام القصيرة.
صحيح أنّ المهرجان لم يحظ بعد بالاعتراف الدولي، لكنه يسعى إلى تأكيد عالميته باستقطاب أشرطة مهمة وحفنة من النجوم، وخصوصاً المصريين، وتكريمات بالجملة: كلوديا كاردينالي، فرانكو نيرو، ريتشارد هاريسون، كاترين دونوف. هناك أيضاً ناديا الجندي ووليد توفيق، ونور الشريف، وسلاف فواخرجي. فيما سجّلنا غياباً شبه تام للسينمائيين السوريين عن حفلة الافتتاح، من أمثال محمد ملص وأسامة محمد وعمر أميرلاي ورياض شيا وسواهم. وفي ما يشبه الحرب الاستباقية، برر مدير المهرجان محمد الأحمد غياب هؤلاء بأنّهم مزاجيون، ولا تحتاج المؤسسة إلى «سيرهم الذاتية»، فيما وصف عبد اللطيف عبد الحميد الذي خصص المهرجان تظاهرة خاصة بأفلامه بأنّ «الإلهام يزوره كل عام، فهل انتظر الإلهام حتى يزور أسامة محمد كل 15 سنةفيلم الافتتاح كان «ثلاثة قرود» للتركي نوري بيلج سيلان (جائزة أفضل إخراج في مهرجان «كان» الأخير)، على أهميته قد لا يخلو اختياره من بعدٍ سياسي، يقع في خانة التقارب السوري التركي، فيما سيُعرض في حفلة الختام الفيلم البرازيلي «فرقة النخبة» لخوسيه باديلها («جائزة الدب الذهبي» في مهرجان «برلين» 2008).
لجنة التحكيم التي يرأسها الفرنسي إيف بواسيه، لن تكون مهمتها صعبة هذه المرة في اختيار الأفلام الفائزة. بعدما أطلق المهرجان جوائز خاصة بالفيلم العربي يرأسها دريد لحام، تخفف العبء عن لجنة التحكيم. إذ كانت إدارة المهرجان تتعرض لانتقادات حادة كلما فاز فيلم سوري بإحدى الجوائز الرئيسية الثلاث كنوع من التحية للبلد المضيف. هكذا، ستكون الفرصة متاحة أمام الفيلمين السوريين «حسيبة» لريمون بطرس، و«أيام الضجر» لعبد اللطيف عبد الحميد للفوز بإحدى جوائز المهرجان، ويتوقع أن تذهب الجائزة الذهبية إلى الفيلم المصري «خلطة فوزية» لمجدي أحمد علي. كما لا يمكن تجاهل فيلم «عيد ميلاد ليلى» للفلسطيني رشيد مشهراوي، وتشارك تونس بفيلم «جنون» للفاضل الجعايبي، والجزائر «مال وطني» لفاطمة بلحاج، والمغرب «قلوب محترقة» لأحمد المعنوني.
يلتفت الفيلمان السوريان إلى الوراء كثيراً، لاختبار مرحلة سياسية شهدت تحولات جذرية في المنطقة. إذ يرصد «حسيبة» الفترة بين 1927 حتى مطلع الخمسينيات، عبر حكايات نساء وجدن أنفسهن في مهب العاصفة، كما يحتفي بالمكان الدمشقي بوصفه بطلاً أساسياً. وهو ما يلحظه فيلم سوري آخر هو «دمشق يا بسمة الحزن» لماهر كدو (عروض البرنامج الرسمي). أما «أيام الضجر» فيتوقف عند مرحلة الوحدة السورية المصرية ونزول بحارة الأسطول السادس الأميركي في لبنان من وجهة نظر أربعة أولاد كانوا يعيشون في الجولان.
فيما تذهب معظم الأفلام العربية المشاركة في المسابقة الرسمية إلى جحيم الحياة اليومية الراهنة والمشكلات الإنسانية التي ألقت بظلالها على مجتمعات وجدت نفسها أمام فواتير اجتماعية باهظة كمحصلة لتحولات في القيم ومحاولاتها الخروج من بئر العتمة مثل «عيد ميلاد ليلى» (راجع المقال أدناه) الذي يصف بدقّة قسوة الحياة الفلسطينية في ظل الاحتلال من جهة، والمقاومة بالأمل. ولعل فكرة الأمل هي بوصلة فيلم آخر هو «خلطة فوزية»، هذه الخلطة التي هي مزيج من البؤس والأمل والرغبات عبر حياة امرأة تدعى فوزية (إلهام شاهين)، تعيش في حي عشوائي، وتتزوج خمس مرات من رجال هامشيين، لكن عملها في صنع المربى والكعك يضيف خلطة سحرية على حياة الآخرين حولها.
فاطمة بلحاج في شريطها «مال وطني» تقترب أكثر من الخلية الأساسية في المجتمع الجزائري، وتقتحم حياة أم لخمس بنات ودفاعها الشرس عن معنى الشرف عن طريق حصار بناتها في المنزل، بعدما تعرضت أحداهن إلى الخطف والاغتصاب على يد الإرهابيين. ومن أفلام المسابقة أيضاً، نذكر الشريط الجديد للمخرج الإيراني اللافت مجيد مجيدي «أغنية العصفور» ومقاربته الجديدة لحياة القاع في المجتمع الإيراني، وشريط «ساغان» الذي يتناول سيرة الروائية الفرنسية الراحلة بتوقيع دايان كوريس. ويحفل المهرجان بعشرات التظاهرات الموازية، أبرزها تظاهرة أفلام الصيني زانغ ييمو، والروسي الراحل أندريه تاركوفسكي ويوسف شاهين، وخامسة لأفلام مارتن سكورسيزي وتظاهرة لفيروز.