أوباما V/S ماكاين: ثمن الوصول إلى البيت الأبيض
زينة منصور
لم يفز المرشّح الديموقراطي باراك أوباما بالانتخابات حتى الآن، ولكنه فاز على منافسه الجمهوري جون ماكاين من دون أدنى شك، بالصورة والدعاية الانتخابية وحتى بالنجومية الأفرو أميركية. اليوم، ومع فتح صناديق الاقتراع، سيدخل أوباما التاريخ إذا كسب السباق الرئاسي، الأكثر كلفةً في تاريخ بلاده. ومع انطلاق الانتخابات الأميركية، أصبحت الطريق المؤدية إلى البيت الأبيض قصيرة جداً، يتزاحم الإعلام الأميركي على تأكيد نتائجها. ذلك أن بورصة استطلاعات الرأي لن تهدأ، إلى أن تحسم السباق مسبقاً بوصول المرشح الأسود باراك حسين أوباما، المنحدر من أم أميركية بيضاء من ولاية كنساس، وأب من كينيا، ليكون سيد البيت الأبيض والعالم لأربع سنوات مقبلة. «المسلم الإرهابي» و«الاشتراكي الماركسي» و«الساحر المشعوذ» و«الشاعر»... صفات أطلقتها وسائل إعلام أميركية، وطاردت أوباما طيلة حملته الانتخابية التي امتازت بإنفاق دعائي غير مسبوق، لم يتمكن خصمه من مجاراته. كل ذلك أوقع المرشح الجمهوري جون ماكاين بين مطرقة «وول ستريت» والاقتصاد المتدهور نحو هاوية الركود، وسندان المواطن الأميركي المُثقل بالسياسة الضرائبية والخارجية. وعلى الرغم من ثقته المعلنة بالنجاح، ونيله دعم معظم الوسائل الإعلامية الأميركية، واستقطابه تبرعات كبيرة لتمويل حملته... لا يزال باراك أوباما نفسه غير مصدق ما وصل إليه، ويخشى أن يخذله الناخب الأميركي الأبيض في اللحظات الأخيرة في غرفة الاقتراع السري.
وبموجب نتائج استطلاعات الرأي التي تعجّ بها الشبكات الأميركية الخمس الكبرى، فإن أربعاً أساسية منها ( ABC وNBC وCBS وCNN) تؤيّد علانيةً أوباما، وتبثّ نتائج استطلاعات للرأي تفيد ذلك. فضلاً عن استضافتها لمحللين معروفين بميلهم إلى دعم أوباما.
هكذا، يواجه ماكاين، المحارب القديم في فيتنام، معركة ضارية ضدّ خصمه، مع شبكة تلفزيونية واحدة هي «فوكس نيوز» العريقة في دعمها لسياسة اليمين المحافظ في البلاد. وما أثار دهشة الأميركيين في الأيام الماضية، قيام شبكة «فوكس نيوز» نفسها بتأخير بثّ مباراة نهائية في بطولة «البايس بول»، لحين انتهاء بثّ شريط دعائي من ثلاثين دقيقة، يستعرض فيه أوباما سيرته الذاتية. وقد بلغت كلفة هذا الفيلم رقماً قياسياً آخر، في تاريخ إنتاج الأشرطة الترويجية، وهو 5 ملايين دولار! جاء ذلك في وقت، تعلن فيه «فوكس نيوز» دائماً دعمها العلني للمرشح الجمهوري. وهي ــ أي المحطة ــ عملت على إدخال صورة برقية خاطفة لماكاين وزوجته في مقدمات نشراتها الإخبارية، بهدف شحذ اللاوعي لدى المواطن على دعم انتخابه.
أوباما الذي يقدِّم نفسه بصفته مرشح الطبقة الوسطى، رفض تمويل حملته من الأموال العامة التي تخصصها الحكومة الفدرالية لكل مرشح، وأنفق هو والديموقراطيّون على حملته الترويجية الانتخابية 353 مليون دولار في إحدى وخمسين ولاية أميركية، مقابل 120 مليون دولار فقط، أنفقها ماكاين والجمهوريّون. أما سبب ذلك، فيعود إلى أن ماكاين ــ بموجب قانون تمويل الدعاية الانتخابية ــ قد قبِل بالمبلغ الذي تخصصه الحكومة للمرشح الرئاسي، وهو 84 مليون دولار. فيما رفض أوباما هذا الدعم، وقرر جمع التبرعات من الداعمين له بموجب القانون الفدرالي، كما تقول حملته.
وقد سجلت النفقات الإعلانية الانتخابية منذ انطلاقة التنافس رقماً قياسيّاً في تاريخ النفقات الدعائية الانتخابية، وهو مليار و300 مليون دولار، (راجع البرواز)... من هنا، من يظن أن الرئيس في أميركا هو من يحكم البلاد، قد يكون مخطئاً! ذلك أن شبكات الإعلام ورجال الأعمال، في بلد يبلغ عدد سكانه ثلاثمئة مليون شخصاً، يؤدّون الدور الأكبر في تحديد نظرة الناخبين إلى المرشحين وبرامجهم المطروحة.
العدّ العكسي بدأ إذاً، فهل نجحت الشبكات الأميركية في الترويج لأوباما، وأقنعت الأميركيين بالتصويت لرجل أسود؟ لقد دقّت ساعة امتحان سطوة الإعلام والمساواة العرقية والتغيير السياسي الاقتصادي المنتظر... فمن يفوز: أول رئيس أسود في تاريخ بلاد العم سام، أم الحارس الأميركي الجديد، الذي يُفاخر بأنه ذهب في شبابه إلى ما وراء الحدود، للدفاع عنها.


أول رئيس أسود؟

في ظل الاستنفار الإعلامي لتغطية السباق، ومن باب التندر السياسي، بثت بعض المحطات، برامج كوميدية تتندر على أن أوباما نفسه ــ بصفته أول مرشح أسود للرئاسة الأميركية ــ فإن نصفه الأبيض داخل غرفة الاقتراع، قد يقرر التصويت لماكاين! من هنا، جاء التمويل غير المسبوق للشريط الدعائي الذي خاطب فيه أوباما الناخبين، عبر شبكات التلفزة القومية المؤيدة والمعارضة له. وقال إنه قد يكون «أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، ولكنكم شهدتم مدى أهمية هذا الموقع»، مشيراً إلى أنه «لم يلتقِ والده إلا مرة واحدة في حياته، حين كان في العاشرة من العمر، لكنه كان متأثراً بغيابه أكثر مما كان عليه يوم رآه». ولم يكد أوباما ينهي كلامه، حتى سارع ماكاين إلى اتهامه بتمويل حملته عبر وعود لن يتمكّن من الوفاء بها.

مليار و300 مليون دولار


وفق دراسة لموقع «فرانس 2»، فإن قيمة فاتورة وصول الرئيس الرقم 44 إلى البيت الأبيض بلغت مليار و300 مليون دولار. وهو رقم قياسي لدولة تبلغ من العمر 230 عاماً، وتستقر اليوم على قمة هرم العالم