مبادرة أحمد فلمبان لكتابة تاريخ الفن السعودي، خطوة أولى في رحلة الألف ميل. يقدّم الكتاب 400 فنانة وفنان، في محاولة لرصد محطات هذه الحركة التشكيليّة التي بات عمرها نصف قرن من التجارب والتراكمات
حسين السكاف
تُعدّ الحركة التشكيلية السعودية، من الحركات الحديثة على الساحة الفنية العربية. خلال العام الدراسي 1956 ــــ 1957 أُقرَّ لأول مرة تدريس مادة التربية الفنية بصفة رسمية في مدارس البنين في المملكة، ثم شهدت بداية ستينيات القرن المنصرم، لأول مرة أيضاً، حركة بعثات دراسية لأبناء البلد إلى أوروبا ومصر وأميركا لدراسة الفن التشكيلي وفنون بصرية أخرى. إلا أنّ الإشارة هذه، تدلنا وبوضوح إلى زمنٍ يمتد قرابة نصف قرن، هو في الحقيقة عمر الحركة. زمن جدير بتسليط الضوء على روّاده ومراحل تطوره. وهذا بالفعل ما كان قد فعله الفنان السعودي أحمد فلمبان (1951) إذ أصدر أخيراً كتاب «التشكيليون السعوديون» ( الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون) موثّقاً تاريخ الفن التشكيلي السعودي... الكتاب هو الأول من نوعه الذي تصدره الجمعية عن الفن التشكيلي السعودي، كدليل تعريفي بالفنانين التشكيليين السعوديين مع عرض نموذج أو عمل واحد لكل فنان، وربما يعود هذا إلى عدد الفنانين الذي وصل إلى أكثر من 400 فنانة وفنان تناولهم الكتاب.
ويلفت البروز الواضح للعنصر النسوي في الحياة التشكيلية السعودية التي بدأت تتفجّر في الأعوام القليلة الماضية... فالكتاب يطرح أكثر من 130 فنانة سعودية معظمهنّ درس الفن التشكيلي أكاديمياً. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى التجمعات والمنتديات الفنية في أرجاء المملكة التي تأسست بجهود نسائية خالصة، مثل «مجموعة الاتجاهات الفنية» التي تأسست في الخبر (المنطقة الشرقية) عام 2003، وضمّت عشر فنانات بينهن غادة خالد وأمينة تقي وأمل الدوسري ومضاوي الباز.
ويترصّد الكتاب بدايات المعارض الفردية والجماعية التي أقيمت قبل 1973، أي عام تأسيس «الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون» التي تمخضت عن قسم الفنون التشكيلية. يشير المؤلف إلى أنّ أول معرض تشكيلي في السعودية كان للفنان محمد سعيد راسم (1909 ــــ 1973)، وقد أقيم في جدة عام 1935. والفنان محمد راسم الذي درس الفن التشكيلي في تركيا، يعدّه الكتاب ركناً مهماً يمكن الرجوع إليه كأقدم الأسماء التي مارست الرسم، في الوقت الذي كان فيه النشاط التشكيلي غير معروف في المملكة. إلا أنّ هذا لا يعني أنّ الحركة التشكيلية السعودية بدأت منذ ذلك التاريخ، بل إن الكتاب يشير إلى جهد فردي كان يُحسب للفنان محمد راسم، وهذا ما تتفق عليه أغلب الدراسات الفنية والنقدية بخصوص تاريخ الفن التشكيلي السعودي.
أما بدايات الحركة التشكيلية السعودية، فيعزو بعض النقاد العرب ظهورها إلى خمسينيات القرن الماضي وستينياته، على أيدي روّاد لم يفرضوا حضورهم سوى بعد ذلك التاريخ. ونذكر هنا ما أورده الناقد المصري مختار العطار في كتابه «رواد الفن ـــــ دراسات في نقد الفنون الجميلة ــ الجزء الثالث» الصادر عن «الهيئة المصرية للكتاب» عام 1998. يكتب العطّار في فصل بعنوان «مدخل إلى الفن التشكيلي في السعودية»: «نلاحظ أن بواكير أعمال الرواد، كانت تعكس حرارة الحياة اليومية، وترتبط بالموضوعات الصحراوية، كما في لوحات محمد سليم. أو تتجه إلى تكوينات مستلهمة من الرموز الشعبية كما في أعمال عبد الحليم رضوي». ونشير هنا إلى أنّ محمد السليم (1940 ــــ 1996) خريج أكاديمية الفنون الجميلة في فلورنسا عام 1973، أما الفنّان عبد الحليم رضوي (1941 ــــ 2006)، فحصل على الدكتوراه في الفنون من جامعة مدريد عام 1979 كما جاء في كتاب أحمد فلمبان.
هذا النوع من الكتب الفنية «التوثيقية» يُعدّ عملة نادرة في المملكة. فالمكتبة السعودية تفتقر إلى الكثير من الكتب التي تختص بأرشفة الحياة التشكيلية السعودية، كما تفتقر بشكل واضح إلى مصادر مهمّة عن الفن التشكيلي العالمي بمختلف مراحله ومدارسه...