مدرسة جديدة للسينما لا تقدّم متخرجاً متخصصاً في المونتاج أو السيناريو أو الإضاءة، بل يتخرج منها الطالب «صانع أفلام»
محمد خير
يمكن للهاوي أن يصنع فيلماً محدود الكلفة، لكن ذلك لن يحل المشكلة: إذ كيف يمكن له من الأصل أن يدرس فنّ السينما ما لم يكن قادراً على تحمل الكلفة الباهظة لذلك النوع من الدراسة؟ على أي حال، لم تعد تلك مشكلة بعد الآن. في «مدرسة السينما» التابعة لـ«جمعية القلب المقدس» في القاهرة، الدراسة مجانية. حتى إنّ الطالب يدرس مختلف التخصصات دفعةً واحدة، فالمدرسة لا تقدّم متخرجاً متخصصاً في المونتاج أو السيناريو أو الإضاءة، بل يتخرج منها الطالب «صانع أفلام» وفق طريقة one man unit. ورغم أنّ الدراسة لا تتخطى تسعة شهور، إلا أنّ على كل طالب أن يصنع فيلماً واحداً في الشهر، بالإضافة إلى فيلم التخرج، أي عشرة أفلام في أقل من عام واحد، وهي تجربة عريضة، تحوّل الهاوي إلى محترف في زمن قياسي.
«إتاحة تعلّم وصناعة السينما أمام الفئات الضعيفة اجتماعياً» يقول المخرج الشاب كريم حنفي صاحب فكرة المشروع والمدير الفنّي للمدرسة. ويشرح «المقصود هنا ليس الفئات التي لا تتحمّل التكاليف المادية لدراسة السينما، بل أيضاً تلك التي تريد التعلّم وتقديم سينما مختلفة مستقلة فكرياً، بعيداً عن قيم السوق التجارية». هذه التجربة صنعتها الحاجة والمعاناة الشخصية، فمؤسسها نفسه لم ينجح في الالتحاق بمعهد السينما الشهير في القاهرة، التابع لأكاديمية الفنون الحكومية «لم تكن هناك أسباب واضحة لرفضي واكتشفت أن كثيرين مثلي لن يتمكنوا أبداً من دراسة السينما أكاديمياً. وليس أمامهم إلا التعلم مباشرة بالطريقة الصعبة من خلال العمل في السوق التجارية والالتحاق بورش تدريبية، وفكرت في أنّ هذا الوضع لا بد له من حل».
ينطفئ الضوء في قاعة أحد المراكز الثقافية في وسط القاهرة ويبدأ عرض عدد كبير من الأفلام التي صنعها طلبة مدرسة السينما، تصفيق هادئ يتبع نهاية كل فيلم واندهاش من حقيقة أنّ صناعها كانوا قبل أشهر فقط لا يعرفون شيئاً عن صناعة السينما. مع ذلك، فإن قلة الإمكانات واضحة وضعف الإنتاج انعكس على هذه الأفلام «الفقيرة» بالمعنى الحرفي. يقول كريم حنفي «معظم أفلام ما قبل التخرج صُنعت بكاميرات غير احترافية ودون التقنيات المطلوبة في الصوت والإضاءة لكننا نتحسن يوماً بعد يوم. وكل شيء ممكن في عصر الديجيتال». اعتمدت المدرسة في التأسيس والتدريب على عدد من أبرز سينمائيي السينما المستقلة في مصر، منهم تامر محسن لتدريس كتابة الفيلم الروائي وإخراجه، أحمد رشوان (إخراج وكتابة التسجيلي) حسام علوان (البحث السينمائي) محمد سمير (مونتاج) كريم حنفي (سيناريو وإخراج). ومنعت ظروف العمل عدداً آخر من التدريب في المدرسة، بعدما أبدوا موافقتهم، أبرزهم تامر محسن، إبراهيم البطوط، وأولئك السينمائيون الذين عانوا عقبات صناعة الفيلم المستقل في مصر، منحوا جهدهم لـ«مدرسة السينما» بمقابل مادي شبه رمزي ويدربون فيها 3 أيام في الأسبوع.
لكنّ الدفعة الأولى كانت صدمة: 12 طالباً لم يتخرج منهم سوى اثنين في منتصف 2007. يلخص كريم حنفي «الأسباب في اضطراب الإدارة، نقص الخبرات، قلة الميزانية، بقية الطلبة لم يستكملوا التدريبات». لكن الدفعة الثانية كانت أفضل بكثير، 11 طالباً منهم خمس طالبات، تخرجوا وصنعوا خلال الدراسة ما يزيد عن 60 فيلماً، غير أفلام التخرج. أما الطلبة الجدد الذين انتظموا في الدراسة قبل حوالى شهر، فقد بدأ كل منهم في صناعة فيلمه الأول بالفعل. يقول حنفي الذي يستعد لتصوير فيلمه الروائي الطويل «فن الطيران» الفائز بمنحة وزارة الثقافة المصرية «نحاول أن نتقدم بسرعة ونسد الثغرات، ونتعلّم من بعضنا». أتتعلم من طلبتك أيضاً؟ يجيب المخرج الشاب: «بلى، فنحن لا ندرّس السينما فقط، نحن نصنعها معاً أيضاً».