بيار أبي صعبفي مثل هذا اليوم قبل ٩٥ عاماً، ولد ألبير كامو في الجزائر. بعد كل هذا الوقت على رحيله في حادث سيارة (١٩٦٠)، ما زال «المثقّف» النموذجي يستعصي على التصنيف. أسئلته تبدو راهنة في زمن «الثورات المخلوعة، والتقنيات المجنونة، والآلهة المحتضرة، والإيديولوجيات المرهقة»، زمن «بإمكان قوى حقيرة أن تهدّم فيه كل شيء، فيما هي عاجزة عن الإقناع»، زمن «انحطّ فيه الذكاء ليصبح خادماً لدى الحقد والقمع». إنّه خطاب كامو في استوكهولم (١٩٥٧)، لدى تسلّمه جائزة نوبل للآداب.
الأدب الذي يحمل أطروحة فكريّة، أو أمثولة أخلاقيّة، لم يعد على الموضة؟ ربّما. لكن الأسئلة الأخلاقيّة قائمة أكثر من أي وقت مضى، والأدب القويّ بوسعه أن يحمل أطروحاته ويتحدّى بها الزمن. كامو شاهد على عصر، ومثقف في المعمعة أدان القمع والقهر والعنف. انخرط في المقاومة الفرنسيّة، وعاش متمزقاً حرب تحرير الجزائر التي اتخذ منها موقفاً ملتبساً لم يسامحه عليه كثيرون...
من حي بيلكور الفقير في العاصمة الجزائريّة، حيث نشأ في ظلّ أب غائب مات في الحرب، حمل شمس المتوسّط الساطعة وذلك القلق الذي لا يعرفه إلا الفقراء. بنى رؤيته على الشرخ بين بحث الإنسان عن معنى، ولاجدوى أو عبثية الوجود. كتب اللامعقول في الرواية («الغريب»)، والمسرح («سوء تفاهم»، «كاليغولا»)، والفلسفة («أسطورة سيزيف»). كتب التمرّد كردّ وحيد ممكن على عبث العالم، في رواية «الطاعون»، ومسرحيتي «العادلون» و«حالة حصار»، وبحثه الفلسفي الشهير «الإنسان المتمرّد» الذي أغضب معاصريه، وأدّى إلى قطيعته مع جان بول سارتر.
الكاتب الذي قال يوماً «وطني الحقيقي هو اللغة الفرنسيّة»، ينتظر اليوم من يعيد قراءته واكتشافه.