بحثاً عن الزرقاوي في مجاهل الشرقعثمان تزغارت
هل هي مصادفات الإنتاج والتوزيع السينمائيين، أم أنّه اقتراب أعياد الميلاد؟ فأفلام الحركة، وبالأخص أفلام المغامرات الجاسوسية تحتل حالياً واجهة السينما العالمية. إذ شهدت صالات العرض هذا الأسبوع «صراع جبابرة» لتصدّر إيرادات شباك التذاكر العالمي، بين عملاقين سينمائيين تدور أحداث كليهما في فلك البطولة الجاسوسية. الأول هو جديد سلسلة جيمس بوند Quantum Of Solace الذي يخوض فيه النجم دانيال كريغ، ثاني تجربة له في تقمّص دور العميل 007، بعد «كازينو رويال». أما الثاني، فهو من بطولة ليوناردو دي كابريو وإخراج ريدلي سكوت، وقد طُرح في الصالات العالمية تحت عنوان «أكاذيب دولة»، بينما يعرض في الصالات الأميركية تحت مسمّى «رجل الأكاذيبيخوض جيمس بوند في فيلمه الجديد صراعاً من أجل «الخير» مع مافيا بوليفية يتزعمها الشرير دومينيك غرين (يؤدي دوره النجم الفرنسي ماثيو أمالريك الذي قفز دفعة واحدة إلى مصاف نجوم الفئة الأولى عالمياً، بعد تألقه العام الماضي في رائعة جوليان شنابل «لباس الغطس والفراشة»). ينجح العميل السري البريطاني الشهير في إحباط مؤامرة هذه المافيا للاستيلاء على المخزون الاستراتيجي العالمي من المياه (راجع مكاناً آخر من الصفحة).
أما ريدلي سكوت، فإنّه يزج ببطله دي كابريو في رمال الشرق الأوسط المتحركة، بهدف كشف شبكات إرهابية موالية لتنظيم «القاعدة» وتفكيكها. لكن هذا الصراع الذي يخوضه «رجل الأكاذيب» لا يدور تقليدياً ضمن ثنائية الخير والشر، على الطريقة البوشية (نسبة إلى الرئيس الأميركي المنتهية ولايته). في خضم مطاردته لزعيم إرهابي يدعى أبو سليمان، بين عمان ودمشق والصحراء العراقية، يلجأ دي كابريو إلى محاربة الشر بالشر، عبر تأسيس شبكة إرهابية زائفة، بإيعاز من الاستخبارات المركزية الأميركية، من أجل المزايدة على شبكة أبو سليمان في استعمال أبشع أنواع العنف الدموي، بهدف افتكاك الزعامة من هذا الأخير، تمهيداً لإطاحته!
اقتبس الثنائي سكوت ــــ دي كابريو قصة الفيلم من رواية رائجة ألّفها، قبل عامين، كبير أخصائيي شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «واشنطن بوست» ديفيد إغناتيوس، تحت عنوان «حياة من الأكاذيب» وكشف فيها بعضاً مما تسرّب إليه على مدى ربع قرن من العمل محققاً صحافياً في منطقة الشرق الأوسط، عن تلاعبات الـ«سي آي إيه» والأساليب الملتوية التي تنتهجها في مواجهة ما يُسمّى «شبكات الإرهاب الدولي».
اكتشف دي كابريو هذه الرواية فور صدورها وأُغرم بها، فاشترى حقوق إنتاجها، واقترح على ريدلي سكوت اقتباسها سينمائياً. وها هو يتقمص ثوب عميل «سي آي إيه» يوفد إلى العاصمة الأردنية، مكلفاً باختراق شبكة الإرهابي أبو سليمان، إثر تنفيذها لتفجيرين في مانشستر وأمستردام يذكّران إلى حد كبير بتفجيرات مدريد ولندن. بينما يحمل أبو سليمان الكثير من سمات أبو مصعب الزرقاوي وشخصيّته. وبعد أن يفشل العميل الأميركي في استمالة مقاتلين من داخل شبكة أبو سليمان، يُدفع من المسؤول عنه في «سي آي إيه» (راسل كرو)، إلى استلهام تجربة قديمة أقدمت عليها الاستخبارات البريطانية، خلال الحرب مع النازيّة، سنة 1943، وتمثّلت في اختلاق شبكة زائفة من غلاة المؤيدين للنازية، ثم استعمالها كحصان طروادة لاختراق الشبكات الحقيقية وتفكيكها.
بالتواطؤ مع ضابط كبير في الاستخبارات الأردنية يدعى هاني باشا (الإنكليزي مارك سترونغ)، تؤسّس شبكة إسلامية زائفة لمنافسة أبو سليمان واجتذاب الأنصار منه، ما يؤدي إلى تفجير حرب مفتوحة بين الشبكتين، ليتقلب العميل دي كابريو بين مغامرات ومخاطر شتى، بدءاً من الصحراء العراقية، حيث يصاب بشظايا قذيفة تقتل أحد معاونيه، ووصولاً إلى عمان، حيث تكاد الكلاب أن تنهشه في حي مريب استُدرِج إليه، مروراً بدمشق، حيث يُختَطَف من رجال أبو سليمان الذي يتولى بنفسه تعذيبه أمام الكاميرا، لبثّ الشريط لاحقاً على الإنترنت، على طريقة اغتيال صحافي «وول ستريت جورنال»، دانييل بيرل، في كراتشي.
لكن تجربة العميل دي كابريو تتضمن أيضاً جوانب إيجابية. إذ يبدأ بتعلّم العربية، ويكتشف الخصوصيات الثقافية المحلية، ما يفتح عينيه تدريجاً على تلاعبات موظفيه في الـ«سي آي إيه» ومؤامراتهم، ليدرك في النهاية أنّ «محور الشر» الحقيقي ليس في المعسكر الذي تريد الإدارة الأميركية الإيحاء به... وخاصة بعد أن يقع في غرام ممرضة عراقية الأصل، تؤدي دورها الممثلة الإيرانية غولشيفته فرحاني (راجع مكاناً آخر من الصفحة). وتدفع به هذه العلاقة العاطفية للاقتراب أكثر من معاناة العراقيين، وفهم محنتهم الحالية تحت النيران المزدوجة للاحتلال الأميركي والتطرّف الإرهابي...