انتفاض المحاربين القدامى وغالب هلسا موضةً ثقافيةًعمان ـــ نوال العلي
يستخدمون تعبير «الرواية الجديدة» ثم يتساءلون عن معناه: هل هو حكم قيمي أم زمني؟ هل هو مدرسة سردية، أم تيار أدبي حديث؟ وإن كانت كذلك فما هي ملامحها العامة؟ وهل يمكن دراستها مثلما ندرس المدرسة الكلاسيكية أو السريالية في الإبداع؟ وإذا كانت الرواية التي تكتب الآن «جديدة»، فماذا نسمّي الرواية التي ستكتب بعد 50 سنة؟ ربما «بعد الجديدة» قال أحدهم. هذا الحوار وإن بدا في ظاهره نقدياً، فإنّه لم يحمل قيمةً فعليةً في باطنه، ربما يكون وصفه بالفذلكة النقدية دقيقاً. اختارت رابطة الكتّاب الأردنيّين في «ملتقى السرد العربي الأول» الذي اختتم أعماله أمس، «قضايا الرواية العربية الجديدة» لتثير السجال حولها في إحدى الجلسات. ولنقل إنّ الروائيين العرب استكملوا خلافهم وجدالهم حول قطيعة الرواية الجديدة مع آبائها الذي دار سابقاً في مؤتمر الرواية العربية الذي أقيم منذ فترة في دمشقالسجال أثارته ورقة ممدوح عزام من سوريا الذي تطرق إلى هوية الرواية العربية، متسائلاً عن حديث الروائيين عن القطيعة مع منجز الرواية العربية، فيما هم لم يبنوا هذه الصلة معها في الأساس. إذ يرى أنّ الرواية العربية نشأت على يد اليسار الذي حمل ثقافة الغرب والأسئلة القريبة منه، واستند إلى ترجمات الأدب العالمي من فولكنر وجويس وغيرهما.
فيما جاء حديث الروائي والناقد نبيل سليمان متأسّياً على ما أسّسته «ألف ليلة وليلة» للرواية العربية، مستعيداً تجارب المؤسسين كفرنسيس المرّاش ورئيف خوري... فالرواية العربية لها «نشآت وولادات»، والروائيون الجدد وقفوا على كتفي نجيب محفوظ بلا شك، في وقت قرأوا فيه «فتات» ترجمات الأعمال العالمية.
ويبدو أنّ تعبير «الجديدة» استفزّ الروائيين القدامى! فالرواية العربية تنتج «أكواماً من الزبالة» منذ عشر سنوات ـــ بحسب نبيل سليمان ـــ وتعاني آفة الاستسهال والجهالة، ومن النقد الصحافي الذي يعوق نضج التجارب السردية... وكل ذلك يغذيه الناشرون «الدنيئو النفس». هذا الكلام يعيدنا مجدداً إلى جدال دمشق قبل أسابيع. ما استدعى من الروائي العراقي علي بدر أن يعيد فتح نقاش يبدو أنه لم يغلق، متسائلاً إذا كان الهدف بلورة رؤية عن الرواية العربية الجديدة، أو الخوض في حوار القطيعة ومفهوم الجيل؟ ذاك الحوار الذي طرحه محمد برّادة في دمشق، وسخّفه خالد خليفة. كما رأى بدر أنّ الرواية عاشت في بداياتها صراعاً عائلياً، ثم صار صراعها مع السلطة، ومن هنا جاء التحول إلى الرواية التجريبية التي تتضح معالمها مع صنع الله إبراهيم. لكنه لفت إلى أن التجريب يستمر إلى ما لا نهاية، ومن غير المعقول أن نطلق مصطلح الرواية الجديدة على كل ما سيكتب طوال القرون الثلاثة القادمة.
ورقة منتصر القفاش، فتشت في شغل الرواية الجديدة، إذ تناولت البنية السردية من حيث التخييل الذاتي في الرواية، وحضور أنا الكاتب وسيرته، ومن حيث تأمل الرواية لنفسها وللعبة الكتابة. وبيّن الروائي المصري أنّ الذات في الرواية الجديدة لم تعد الذات العارفة... بل الباحثة عن نفسها في النص. وفيما غابت القضايا الكبرى عن هذه الأعمال، تحولت تلك القضايا إلى حكايات، حتى صارت الروايات صراع حكايات لا صراع قضايا. وإن كان في استخدام تقنية حضور الراوي والحديث عن لعبة الكتابة التي اشتغل بها بريخت وكثير من كبار الكتاب في بدايات القرن الماضي دلالة حداثة وجدّة، ففي هذا دلالة أيضاً على تقصير هذه الأعمال عن مفهوم «الجدة» في الوقت نفسه.
احتجاج الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق كان على القضايا. إذ أرادت من الجلسة أن تناقش كيفية تناول الرواية الجديدة للإرهاب والجنس، مستخدمةً كليشيهات جاهزة للحديث عن ازدواجية المجتمعات العربية. أما القفّاش، فعقّب على أنّ هناك فرقاً بين النقد الأدبي، وقراءات الملاحق الصحافية المطبوخة سريعاً التي تستخدم الجنس والإرهاب للإثارة في عناوينها. واستشهد بـ«عمارة يعقوبيان» التي وصلت إلى هذه الشهرة بسبب الحديث عن موضوعاتها، لكن أحداًَ لا يجرؤ على الحديث عن أسلوبها، وإلا لكانت شهرتها وأهميتها في مكان مختلف تماماً.
ولا بد من الإشارة إلى اعتباطية الأوراق المقدمة في هذا المحور، ومعظمها لم يكلّف نفسه عناء مناقشة روايات محددة، كنماذج عن الأعمال السردية الجديدة، وتحليل نصوص فعليّة والاستناد إلى بحث نقدي عملي وحقيقي... كل ذلك خلق نوعاً من النقاشات التي يمكن وصفها بأنّها تنزهٌ على شاطئ البحر لا خوض في لجّته.
واختتم الملتقى أعماله أمس بمناقشة «قضايا السرد النسوي»، وهو عنوان لا يختلف كثيراً عن «قضايا الرواية العربية الجديدة» في مضمونه، كما كرّم القاص الفلسطيني محمود شقير من خلال جلسة ناقشت تجربته القصصية. وفي جانب مختلف تماماً، حمل الملتقى هذا العام عنوان «دورة غالب هلسا»، الاسم أصبح «موضةً» ثقافية أردنية هذه الأيام. لكنه يؤخذ على محمل النقد هذه المرّة. إذ ناقش فيصل درّاج «رومانسية الكتابة عند هلسا». ومن مصر بحث شوقي بدر يوسف في «مرآة الذات وصورة الآخر في روايات هلسا»، وكذلك قدم الناقد الأردني حسين نشوان ورقة بشأن «اللقطة السينمائية في رواية الضحك».