تجربته الأولى في لغة موليير، قادته إلى الفوز بأرفع الجوائز الأدبيّة في فرنسا. رواية «صخرة الصبر» مسكونة بهموم المنزل الأوّل، أكثر من كلّ أعماله السابقة
باريس ــــ عثمان تزغارت
مُنحت «غونكور»، أعرق الجوائز الأدبية في فرنسا إلى الروائي والسينمائي الأفغاني عتيق رحيمي، عن «صخرة الصبر» (منشورات P.O.L ــــ باريس). وتعد هذه الرواية أول عمل أدبي يكتبه رحيمي بالفرنسية، رغم أنّه درس لغة موليير في العاصمة الأفغانية، ويقيم في باريس كلاجئ سياسي منذ فرّ من أتون الحرب الأهلية الأفغانية الأولى عام 1984، وهو في الـ 22. وكان قد كتب رواياته الثلاث الأولى («الأرض والرماد» ــــ 2000، «ألف بيت من الأحلام والرعب» ــــ 2002، و«العودة الخيالية» ـ 2005) بلغته الأم: الفارسية. يقول: «مطلع السنة الحالية، فوجئ ناشري الفرنسي حين اكتشف أنّ روايتي مكتوبة مباشرة بالفرنسية. بل أنا نفسي فوجئت بهذا التحوّل الذي أملته طبيعة الموضوع الذي أكتب عنه. فاللغة الأم هي اللغة التي نتعلم فيها المحظورات، وخاصة اللفظية. لذا، حين أردت أن أكتب عن جسد امرأة، وجدتني لا إرادياً أستعير لغة أخرى...».
إذا لجأ عتيق رحيمي إلى الكتابة بالفرنسية، فإن روايته هذه مسكونة ــــ أكثر من أي عمل آخر من مؤلفاته ــــ بهموم بلده الأصلي ومرجعيات ثقافته الأم. عنوان الرواية مستوحى من حكاية خرافية شهيرة في الميثولوجيا الفارسية، حيث يُنصح مَن يتعرض لمحنة باللجوء إلى صخرة خاصة تدعى «صخرة الصبر»، ليبث لها شكواه. فإذا بالصخرة تحمل بعضاً من آلامه ومصابه!
في «صخرة الصبر»، يستعير رحيمي هذه الرمزية على سبيل التورية، فبطلته ليست جالسة قبالة «صخرة الصبر» بل أمام جسد زوجها المسجّى في غيبوبة، من دون أن تدري إن كان قادراً على سماعها. شيئاً فشيئاً، تبدأ بمكاشفته بكل ما لم تجرؤ عليه قبلاً، عن وحدتها ورغباتها المكبوتة، وعن معاناتها كامرأة في كنف زوج أناني مثله. وإذا بتلك المكاشفة تطلق لسانها أيضاً لاختراق كل المحظورات الاجتماعية والجنسية التي لم تكن تتصور أنّها قد تتحدث عنها بذلك الشكل الفج والمكشوف، بعيداً عن أساليب التورية المعتادة في ثقافة بلادها.
كتب رحيمي روايته بلغة حادة وجمل قصيرة متوترة، بحيث لا يكاد القارئ يعثر فيها على أي نعت أو صفة. ذلك أنه ــــ كما يقول ــــ أراد أن يطرح جانباً «ثقافة التورية والمقارنة الرمزية من أجل تسمية الأشياء بأسمائها، من دون خجل أو مواربة». واللافت أنّ ذلك تطلّب منه استعارة لغة أجنبية، للإفلات من وطأة المحظور الثقافي الأفغاني الذي ما زال يعاني تأثيراته، رغم أنه قضى 24 سنة من أعوامه الـ 46 في بيئة ثقافية غربية في باريس!
ميزة هذه الراوية، على غرار أعمال رحيمي، أنّها تقف في موقع وسط بين الأدب والسينما. رحيمي الذي درس السينما في «السوربون» أواخر التسعينيات، ليس مجرد أديب يقتبس أعماله سينمائياً، ولا هو مخرج يستوحي من أفلامه أعمالاً أدبية. صحيح أنه اقتبس من باكورته الروائية «الأرض والرماد» فيلماً نال عنه جائزة تظاهرة «نظرة ما» في مهرجان «كان ـ 2004». لكنّ الكتابتين الأدبية والسينمائية تداخلتا لاحقاً في أعماله، لخلق عوالم فنية خاصة تذكّر إلى حد كبير بعوالم إنغمار برغمان وروبير بريسون وبيار باولو بازوليني.
في 2002، عاد رحيمي إلى أفغانستان لأول مرة منذ غادره عام 1984، بهدف إنجاز فيلم توثيقي عن حلم الحرية الأفغاني المتجدد، بعد سقوط نظام طالبان. ومن تلك التجربة، استوحى روايته الثانية «ألف بيت من الأحلام والرعب». وبعدها بعامين، زار مسقط رأسه في كابول، بعد 28 سنة من الغياب، لإنجاز معرض صور بعنوان «العودة الخيالية». وإذا به يكتب عن تلك التجربة أيضاً روايته الثالثة التي حملت العنوان ذاته. أما روايته الفائزة بـ «غونكور»، فقد خرجت من رحم فيلم توثيقي أنجزه عن مقتل الشاعرة الأفغانية ناديا أنجومان على يد زوجها عام 2005. فقد سعى رحيمي لمقابلة الزوج القاتل في السجن، ووجده في غيبوبة بعدما حاول الانتحار. ويقول إنّه تساءل، وهو قبالة جسد الزوج الغارق في الغيبوبة، لو أنّ الشاعرة القتيلة هي التي تقف مكانه: ما الذي يمكن أن تقوله لزوجها القاتل؟ ومن هنا وُلدت فكرة «صخرة الصبر»...