عثمان تزغارتغيّب الموت عن 76 عاماً، المغنية الجنوب أفريقية مريام ماكيبا، أشهر رموز النضال ضد نظام «الأبارتهايد» الذي دفعها إلى المنفى طيلة 30 عاماً. وقد ظلت «ماما أفريكا» كما كانت تُلقَّب، حتى الرمق الأخير، في مستوى شهرتها كفنانة ملتزمة. فقد فاجأتها نوبة قلبية عاصفة، بينما كانت تستعد للعودة إلى الخشبة لتحية الجمهور، في ختام حفلة أحيتها في نابولي، تضامناً مع الصحافي الإيطالي روبيرتو سافيانو، المهدد بالموت من المافيا، بسبب كتابه «غومورا» الذي استوحى منه ماثيو غاروني رائعته السينمائية التي تحمل العنوان ذاته (الجائزة الكبرى في مهرجان «كان» الأخير).
وُلدت مريام ماكيبا في جوهانسبورغ عام 1932، وانضمت وهي في العشرين إلى فرقة جاز تحمل اسم Manhattan Brothers. ثم سرعان ما قرّرت التحوّل إلى الأغنية الملتزمة، لتصبح من أبرز رموز النضال ضد نظام التمييز العنصري، وخاصة بعد النجاح العالمي الذي حققته أغنيتها الشهيرة Pata, Pata، عام 1956. ما أثار ضدها نظام التمييز العنصري في بلادها، فاغتنمت حكومة الأقلية البيضاء ظهورها في الفيلم المناهض للأبارتهايد Come back Africa للسينمائي الأميركي ليونل روغوسين، لإصدار قرار بإرغامها على المغادرة إلى المنفى. ولم تتمكن من العودة إلى بلادها إلا عام 1990، بطلب من الرئيس مانديلا...
كانت ماكيبا أوّل مغنية سوداء نالت جائزة «غرامي» الموسيقية في الولايات المتحدة، عام 1966. وقد أقامت بعد ذلك لسنوات في أميركا، لكن زواجها بستوكلي كارميكاييل، زعيم تنظيم الأفارقة السود الراديكالي Black Panters عرّضها لحملة إعلامية حاولت تشويه سمعتها، فقررت المغادرة إلى فرنسا التي منحتها جنسيتها، حيث قلّدها الرئيس ميتران وسام فارسة الفنون والآداب، عام 1985. ثم لم تلبث أن انتقلت للإقامة في غينيا حتى عودتها إلى بلادها بعد سقوط نظام الأبارتهايد.
ورغم تقدمها في السن، فإن نشاطاتها الفنية والنضالية لم تتوقف. إذ خصّصت في السنوات الأخيرة من حياتها لإقامة الحفلات الخيرية لضحايا الإيدز في أفريقيا، والمشاركة في مختلف فعاليات وحملات التوعية ضد هذا المرض. وتشاء مصادفات الأقدار أن تؤدي مبادرتها النضالية بالغناء في إيطاليا ضد المافيا إلى رحيلها رحيلاً مفاجئاً، بعيداً عن أرض القارة السمراء التي كثيراً ما أحبّتها وغنّت لها...