أين الفرق بين «الداء» و«الدواء»؟ محمد عبد الرحمن
بعد أسابيع من فتوى اللحيدان القاضية بـ«قتل أصحاب الفضائيات التي تنشر الفساد»، خرج من الدوحة أخيراً مؤتمر «نحو فضاء إعلامي مسؤول»، ليؤكد أن هناك خطة خليجية مدعومة رسمياً، قد انطلقت بالفعل لمواجهة تأثير الفضائيات الهابطة على الشباب الخليجي... لكن المؤتمر الذي أقيم تحت رعاية حرم أمير قطر الشيخة موزة، لم يهتم برصد أسماء تلك القنوات، وبإعلان آلية فعّالة للقضاء عليها. وبالتالي، «شخّص الداء» لكنه لم يحدد «الدواء».
صحيح أن لا مجال للمقارنة بين جهود هذا المؤتمر الذي تميّز بحضور قوي لمجلس التعاون الخليجي وفتوى الشيخ صالح اللحيدان... لكن مساعي المؤتمر ظلت قاصرة، لأنها فشلت في الإجابة عن السؤال الجوهري: ما هو تعريف القناة الهابطة؟ وإذا نجح أحدهم في الإجابة عن هذا السؤال، تبقى أزمة الإعلام العربي الحقيقية كامنة في التداخل القوي بين المصالح والأهداف لدى اللاعبين في هذه السوق. ذلك أن المؤتمر الذي حصر مهماته في الشباب الخليجي ـــ وكأن باقي الشباب العربي لا يعاني المشكلة نفسها ـــ لم يكن ليبحث عن أسماء مموّلي هذه القنوات، لأن البحث ببساطة سيكشف أن المموّلين الأساسيين هم في معظمهم من الخليج. ولو فرضنا أن الدراما التركية (من «سنوات الضياع» إلى «نور» و«لا مكان لا وطن»...) هي «فن هابط»، فمن مموّلها إذاً؟ ثم كم هي نسبة رأس المال الخليجي الذي يتدفق على قنوات الكليبات الغنائية؟ بالتالي، ستظل القضية «مكانك راوح»، أي أنها لن تتحرك إلى الأمام، ما لم تتوافر «الشجاعة الكافية» لتحديد من المسؤول عن تلك القنوات.
وقراءة آراء المشاهدين بشأن هذه القضية عبر المنتديات الإلكترونية، تؤكد أن لدى الجمهور تحفظات، ربما تكون أوسع من تلك التي يعلن أصحاب المؤتمرات أنهم مستاؤون منها. وبينما ركز مؤتمر الدوحة مثلاً على قنوات «السحر والشعوذة» والقنوات التي تبث موادّ «جنسية»، يرى الجمهور أن هناك قنوات عامة شهيرة، تبثُّ لهم ما يستخف بعقولهم من خلال إعلانات مسابقات تلفزيونية عبر الهاتف. إذ إنها تعجّ بالمغالطات، وتفتقد تماماً إلى آليات حماية المشاهد/ المستهلك. أي إن «الهبوط» ليس فقط في ظهور «الدجالين والعارضات العاريات» على الشاشة، بل في استخدام النافذة التلفزيونية لبثّ كل ما يجلب للقناة دخلاً مادياً، مهما كان تأثيره على المشاهد. وهو ما يعيد القضية إلى المربع «صفر»، أي مسألة انطلاق القنوات في الفضاء العربي من دون حسيب أو رقيب.
من هنا، ليس سراً أن إدارات الأقمار الصناعية «عرب سات» و«نايلسات» لا تتحرك فعلياً، إلا إذا تخطت القناة، أي قناة، الخطوط الحمراء سياسياً ودينياً. ولولا الضغوط الإعلامية، لما سحبت إدارة «نايلسات» ترخيص قناتي الشعوذة «شهرزاد» و«كنوز» بعد أشهر من العمل اليومي على تخدير المشاهدين. حتى على مستوى الجنس، هناك تساهل لا يشعر به إلا من يشاهد قنوات مثل TV5 وMTV الموّجهة إلى الجمهور العربي... فمن هو ذلك القادر على مراقبة محتوى أكثر من 400 قناة يومياً؟
كل ما سبق قد يكون خبراء الإعلام في مؤتمر الدوحة وفي مناسبات أخرى، طالبوا به. لكنهم نادوا بإطلاق آلية لتحذير الناس من هذه الفضائيات، كما تفعل جمعيات حماية حقوق المستهلك مع السلع المضرة. وهنا يمكن السؤال: هل من الممكن أن تنشر الصحف إعلاناً، يقول «لا تدع أولادك يشاهدوا القناة الفلانية لأنها تقدم مضموناً هداماً وهابطاً»؟
يذكر هنا أن الحملة التي انطلقت من قطر هذا الشهر، وتستمرّ حتى شباط (فبراير) 2009، تهدف إلى «دعوة منظمات المجتمع المدني للتصدي لهذه الظاهرة، وحثّ القنوات الفضائية على إنتاج برامج هادفة، والضغط على شركات الاتصالات لمنع استغلال الشباب ومقدراتهم المالية في الرسائل القصيرة والدردشة الإلكترونية». وقد أُطلق موقع خاص بالحملة هو «فضاؤكم. كوم». ومن المقرر أن تُرفع مقترحات الحملة إلى القمة الخليجية المقبلة المزمع عقدها في سلطنة عمان نهاية الشهر المقبل.
وفيما أشار المؤتمر إلى فترة استمرار الحملة، لم يحدد ما إذا كانت هذه الفترة كافية لدحر الفضائيات «الهابطة»، وما ستكون الحال مع فضائيات عربية أخرى، تعرض برامج أو إعلانات «هابطة»؟


دعوة إلى الفضيلة

قبيل انعقاد مؤتمر الدوحة، انطلقت من السعودية حملة قادتها جمعية تحت التأسيس تحمل عنوان «جمعية الدعوة إلى الفضيلة في وسائل الإعلام». وأصدرت الجمعية بياناً، طالبت فيه الجمهور بالتوقيع على هذا البيان، لإرساله إلى أصحاب الفضائيات العربية. وهي، أي الجمعية، تشير فيه إلى محاذير عدة يجب على أصحاب القنوات الالتزام بها. لعلّ أبرزها عدم عرض المسلسلات العربية أو الأجنبية المدبلجة، «المليئة بالخيانات الزوجية والأبناء غير الشرعيين... ومشاهد العري والقبل الساخنة واللقاءات الحميمة... والحوارات الرديئة الساقطة». إضافة إلى الإعلانات التجارية ذات الإيحاءات والأفكار القائمة على الاستغلال الجنسي للمرأة، وعروض الأزياء الفاضحة، سواءً للملابس الداخلية أو الفساتين المكشوفة... جداً!
www.fadhila.org


«البركة بالشباب»

إلى جانب مشروع «فضاؤكم» (الصورة)، برزت في الآونة الأخيرة سلسلة إعلانات مثل «البركة بالشباب» و«هذه هي حياتي هذا هو ديني». وهي تحثّ الشباب على الالتزام بالفضائل من دون تطرف أو تعصب، لكن اللافت هو عدم الإعلان عن الجهة
الممولة حتى الآن