مشروع عن صورة الأنوثة في مخيّلة الرجال العرب زينب مرعي
رنا سلام، فنّانة لبنانية أخرى شكّلت شوارع بيروت خلال الحرب ركيزة فنّها في مجال التصميم الغرافيكي. هكذا، نقلت في أعمالها الأولى هذه الشوارع، والمساحة الفنيّة التي بقيت صامدة فيها. حملتها بطريقتها الخاصّة إلى بريطانيا، حيث استقرّت ولقيت شهرة واسعة. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت شوارع الشرق الأوسط عموماً، تشكّل مصدر الوحي الأول لسلام، بكلّ ما فيها من ألوان وحيويّة وفوضويّة، فتجعل من فنّها مزيجاً من «الكيتش» وأحدث وسائل التصميم. فإذا بها تعرّف العالم الغربي إلى ثقافة الشرق الأوسط، مثلاً، من خلال إعادة إصدار بعض ملصقات الأفلام اللبنانيّة والمصريّة القديمة المرسومة باليد، والتي قامت بتعليقها في شوارع لندن، أو من خلال إدخال لافتات عملاقة لمغنّين لبنانيين في ديكور أحد المقاهيكذلك تمتلك سلام مدّخراتها من علب الـ«تشيكلتس» وعلب البقلاوة الشاميّة، وعيدان البوظة الخشبيّة التي تحوّلها إلى صور تزيّن لوحاتها أو مجموعة الأكسسوارات التي تنتجها. فنّها استطاع اليوم أن يحظى بشعبيّة في بريطانيا، وصولاً إلى بعض الفضاءات الشهيرة، مثل محلّ مصمم الأزياء بول سميث، أو محل «هارفي نيكولز»، و«متحف فيكتوريا وألبرت»... أو «فيلا مودا» في دبي. لكن لم يحظَ دوماً بهذه الشرعيّة. واجهت رنا في بداياتها بعض الصعوبات، لم يتقبّل الجميع عملها، وفكرة أن تتحوّل علبة الـ«تشيكلتس» مثلاً إلى فنّ. ووصلت حدّة النقد ببعضهم إلى القول إنّ كل ما تفعله رنا سلام هو «جمع النفايات».
ربّما كان التجوّل في الشوارع، والبحث بين الأغراض الصغيرة، يدخل ضمن عمل الفنانة الشابة من أجل البحث عن أفكار جديدة. وآخر أفكارها انبثق من شوارع العاصمة السورية: الملابس الداخلية للنساء كما هي معروضة في واجهة المحلات، وفي سوق الحميديّة الشهير، تتناقض مع طبيعة المدينة المحافظة. وهذا ما أثار اهتمام الفنانة ودفعها إلى بدء العمل على مشروعها الذي صدر في كتاب «الحياة السرّية للملابس الداخليّة في سوريا». هذه الحياة السرّية مضت الى اكتشافها مع فريق انخرط في المغامرة، ويتألّف من الصحافيّات: مالو هالاسا، نورا كيفوركيان وكيلين ويلسون ـــ غولدي اللّواتي أنجزن مهمّة الكتابة وتجميع المقالات التي ترد في الكتاب، إضافة إلى مجموعة مصوّرين، بينهم جيلبير الحاج وإيمان ابراهيم وعيسى توما... كما يتضمّن الكتاب مقاطع شعريّة ومقابلات مع أصحاب مصانع هذه الألبسة ـــ العائليّة بغالبيتها ـــ ومع النساء اللواتي يشترينها، ومع الكاتب عمّار عبد الحميد.
الفنّانة قدّمت عملها هذا في محاضرة أُقيمت أخيراً في الجامعة الأميركيّة في بيروت. فنقلت صوراً عن تصميمات الملابس الداخليّة السوريّة، المعروفة عامةً، بكونها مثيرة وحسّية جداً. من هذه الملابس ما يؤكل، فتجدها مثلاً بطعم الفريز أو غيرها، ومنها ما تكتشفه داخل قطعة من الشوكولا، ومنها ما يُصدر الموسيقى. ومعظم هذه الملابس يُزيّن بأشياء بسيطة منتقاة من السوق، كأوراق الشجر الاصطناعية أو الريش الذي يُعتبر خاصاً بليلة العرس، أو بعضها مستوحى من داخل المنازل كذلك الذي يأخذ شكل الستائر مثلاً.
عندما ترى هذه التصميمات، تجد أنّ ما يكمن وراءها أبعد من أفكار مثيرة، بل هي غرائز شهوانيّة إلى أقصى الحدود بل حتى إباحيّة، وخصوصاً أنّه ليس هناك من نساء يعملن في مجال تصميم هذه الملابس، فتبقى من نتاج مخيّلة الذكر حصراً. كذلك ستلاحظ أنّ هذه الثياب غير مريحة أبداً، لا بل هي حتى في بعض الأحيان «غير قابلة للارتداء» خارج غرفة النوم، فيدخل فيها الكثير من البلاستيك أو الشرائط والريش، بحسب فكرة التصميم... ما يُظهر أنّ هذه التصميمات هي لترضي خيال الرجل الجنسي فقط. ومع ذلك تجد أنّ النساء يشترينها بكثرة ــــ محجّبات وغير محجّبات ـــــ لإرضاء الزوج في محاولة لمنعه من اتخاذ زوجة ثانية أو عشيقة. وهنا، تأخذنا سلام إلى التفكير في موقع المرأة في هذه المجتمعات الذكورية، وخصوصاً أنّ دولاً كالسعودية والكويت تُعتبر سوقاً واسعة لهذه الملابس.
الغرض من الكتاب، الذي يُطرَح في السوق قريباً هو «كشف المستور» في هذه المجتمعات المغلقة، والبحث في الدلالات الاجتماعيّة لهذه الظاهرة، وتقديم نظرة مختلفة عن الشرق للمجتمع الغربي، بعيدة عن الحرب وتعيد النظر في مفهوم المتعة في الإسلام. إلا أنّنا لم نرَ هذا الجانب من الكتاب في محاضرة رنا سلام. فهي نجحت في إغراق الصالة في الضحك، طوال فترة المحاضرة، من خلال أسلوبها الساخر في مقاربة الموضوع، من دون أن نرى بعد ذلك مقدرة على الشرح أو النقد أو التحليل. هكذا، سخرت من هذه الملابس طوال الوقت ولم تبدُ قادرة على الذهاب أبعد من ذلك... فلم نحصل منها على جواب واضح عن تجربتها وعملها وكتابها. إذ بدت كأنها بعيدة عن المشروع على مستوى الكتابة والتحليل التي كان لمالو هالاسا الدور الرئيس فيها. يبقى أن ننتظر الكتاب.
www.ranasalam.com

* كيتش: كلمة ألمانيّة يصعب ترجمتها، تشير إلى فئة محددة من الأشياء والمواد (ديكورات، أكسسوارات، ملابس، أثاث، صور، أدوات...) الرخيصة الإنتاج، المسرفة في الزخرفة والتنميق والبهرجة. تطلق تجاوزاً على نوع من الذوق الشعبي أو الثقافة الشعبيّة