بيار أبي صعبالعذوبة التي تتسرّب من «رسالة إلى الأختين» («دار النهار»، 2004)، يهتدي إليها الشاعر اللبناني لكثرة ما اشتغل على نحت الصور والأحاسيس والتأملات والإحالات الفكريّة والجماليّة التي يعبق بها النصّ. هذا القارئ المتمهّل لبورخيس، شغله ثمرة تأمّل ـــــ على امتداد نصوصه وأبحاثه ـــــ في الزمن والموت، الجسد والغيب، الانحطاط والحضارة، المتعة الحسيّة والمتعة الروحيّة. ويبدو الشاعر اللبناني في هذا الكتاب الذي نعيد اكتشافه اليوم مع صدور ترجمته الفرنسيّة («جوزيه كورتي»، باريس)، مطبوعاً بتلك النظرة الكاثوليكيّة التي تنضح حتى من علاقته بالفنّ والنحت والموسيقى والهندسة، وقد أخذها إلى مدارات التصوّف. النظر والرؤية، الشهوة والنقاء، الحياة والموت، المسيح والاسخريوطي، الحب ونقيضه... ثنائيّات تتأسس عليها الرؤيا، ويتمفصل حولها النصّ المسكون بروح الشعر ومنطقه، عند تلك المسافة الضيّقة التي تفصل بين السرد والتجلّي.
مجموعة رسائل موجّهة إلى خليلة مفترضة لعلّها امتداد لأنوثته الكامنة، لسعيه وراء المرأة ـــ المحال. يتوجّه إليها (هي) لكن الأخرى، أختها، صنوها، صورتها في المرآة، تبدو أيضاً مؤتمنة على البوح. قطع من سيرة، تفاصيل من مدينة الحاضر (باريس) المشرّعة على مدن وأزمنة أخرى، ومضات من تيه وتأمل واشتياق وتداعيات حميمة... يرصفها بتكثيف واقتضاب في نص بسيط ظاهراً، يعلق منه الكثير في وجدان القارئ. وانتقال ذلك النصّ إلى الفرنسيّة يزيده تألّقاً وانسياباً. بل إننا نغامر بالقول إن ترجمة الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي تعطي هذا الكتاب الصعب على التصنيف، بعداً ثالثاً، تمنحه ولادة جديدة.