فيما قررت معظم الشاشات المحلية الغرق في هموم السياسة، راحت الفضائيات العربية تبحثُ عن التنوّع والشمولية: بين «الجزيرة» و“العربية» وmbc... تحتدمُ المنافسة منذ الصباح!
زينة منصور
مذيعٌ مبتسم يتلو خبراً مؤلماً، أو زميلٌ له لا يهتمّ إلا بتغيير وقفته، مرة جلوساً ومرة وقوفاً. مَشاهد لا شكّ بأنك طالعَت الكثير منا، وكلما قاربت البرامج الصباحية المقدمة يومياً، منذ انطلاقة الصباح وحتى منتصف الظهيرة، تجد أن الصيغة الأمثل تقبع في منطقة وسطية بين أن يكون البرنامج نشرة أخبار مكثفة مليئة بالمصائب، وبين طروحات خفيفة ساذجة إلى درجة الثرثرة والنفور وحتى... إطفاء التلفزيون. ليس المطلوب ضخّ العتمة في الصباح، لا بل جعله مشرقاً. وإذا كانت البرامج الصباحية على المحطات اللبنانية المحلية قد قررت في معظمها الغرق في هموم السياسة، فإن الاختلاف الأبرز بينها وبين صباحات الفضائيات العربية، يكمن في أن هذه الأخيرة تعمل وفق أجندة أوسع لتخاطب العرب عموماً، وتسعى إلى جذبهم، على الرغم من مشقة المهمة وشدة كباش التنافس. وعلى خريطة البرامج الصباحية العربية، تستوقفك ثلاثة برامج تأخذ حيزاً جيداً من المنافسة والمشاهدة، اثنان منها يتنافسان يومياً على شاشتي «الجزيرة» و“العربية». أما الثالث فهو مولود حديث، انطلق منذ أيار (مايو) الماضي على mbc: «صباح الخير يا عرب». والبرنامج خلَع أخيراً الصيغة القديمة التي انطلق بها واستمرت ثلاثة أشهر مع مذيعات أربع (بينهن الشاعرة السورية سهام الشعشاع، والمذيعة السعودية فاديا الطويل)، يقدمن فقرات متنوعة من أربع عواصم عربية، إلى أن تمركز في دبي بحلة جديدة تتمحور بين استويوهات دبي والرياض، مع نقل حي من العواصم العربية كلها. والبرنامج الذي يقدمه اليوم كل من المذيعة الخليجية لجين عمران والمذيع اللبناني جلال شهدا من دبي، ومعهما أساساً فاديا الطويل من السعودية، كناية عن خلطة فريدة ومتنوعة من المقابلات والفقرات، وبأسلوب ديناميكي لمناقشة عناوين يومية. ويمكن القول إنّه منذ انطلاقته الجديدة الشهر الماضي، نجح في تحدّي المعوقات، وفي تقديم نفسه برنامجاً عربياً إقليمياً.
والمراقب لمسار هذه البرامج في العالم، يجد أنّها قد وُلِدَت جميعُها من رحم البرامج الصباحية القومية التي انطلقت في الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي، مثل «غود مورننغ أميركا» على شبكة «أي بي سي»، و«أميركان شو» على «سي أن أن» و“إيرلي شو» على «سي بي أس». وغني عن القول إنّ تجربة الإعلام اللبناني في هذا النوع من البرامج الذي انطلق في التسعينيات من بيروت، كانت موحيةً للعديد من الوسائل الإعلامية العربية. بداية هذه الريادة كانت مع «عالم الصباح» على «المستقبل» و«نهاركم سعيد» على LBC. ثم كرَّت السبحة محلياً وعربياً، إذ أسست انطلاقتهما لمشروع عربي كبير في صناعة البرامج الصباحية، قد تشترط أحياناً وجود عدد كبير من المعدّين والمراسلين، وما زالت بصماته تجد صداها لدى الجمهور في مختلف الدول العربية.
ولا ينفع، على رغم هذا التاريخ الناجح، النوم على أمجاد الماضي. إذ لا بد للبرامج اللبنانية من إجراء عملية تطوير دائمة لمواكبة موضة البرامج الصباحية على المستوى العالمي، إنما بقالب لبناني. وهو ما حاولت «المستقبل» استدراكه مع تقسيم الفترة الصباحية بين «أخبار الصباح» و«عالم الصباح» لضخّ دم جديد في الفترة الصباحية، لا سيما أنّ البرنامج الأخير بات مكرّراً إلى درجة الملل أحياناً. وهذا ما يحتاج إليه «نهاركم سعيد» الذي يكتفي منذ فترة بلقاء سياسي، يتناوب على تقديمه كل من دوللي غانم ووليد عبود. وسواء كان سبب إطلاق هذه البرامج الصباحية هو ذلك الوقت الهارب صباحاً من المعلنين أو جذب شريحة جديدة من الجمهور، فلا شك في أنّ هذه التوليفة لاقت منذ انطلاقتها ترحيباً لدى شريحة سيدات البيوت على وجه الخصوص، لما تحتويه من باقة متنوعة من المعلومات وأساليب الحياة العصرية الجديدة. وإذا كان «صباح العربية» قد طبع علامة بارزة في خط البرامج الصباحية المتنوعة، تجد في المقلب الآخر تجربة رائدة في رصانتها وتميزها لجهة مضامينها الأكثر جدية في الطرح. إذ يتربع «الجزيرة هذا الصباح» على عرش المضمون الدسم لمحبي الوجبات الصباحية الدسمة المشبعة بالتحليل والمتابعة المعمقة، مع ضرورة العناية أحياناً بعدم الإثقال على المواطن العربي المثقل أصلاً بهموم شارعه طيلة اليوم.