حسين بن حمزةضمن لقاءاته الدورية، استضاف «بيت المدى للثقافة والفنون»، أول من أمس الخميس، المعماري العراقي رفعت الجادرجي الذي استبدل ــــ في اللحظة الأخيرة ــــ ورقته المكتوبة باستعراض مرتجل لمحطات من سيرته وعمله، مبرراً ذلك بأنّ شكل اللقاء وجمهوره لا يحتملان إلقاء محاضرة مختصة ومعقّدة في فنّ العمارة. لكن الارتجال لم يمنع المعماري الشهير من عقد علاقة قوية بين «فنّه» والحاضرين. تحدث صاحب «الأُخيضر والقصر البلوري» عن بدايات العمارة العراقية الحديثة، كمثال على عمارة عربية متشابهة، حيث كان المعماريون المتخرّجون في أوروبا يصطدمون بنظرة العامة السلبية نحو أصحاب الحِرَفْ، إذْ كان يصعب عليهم تقبُّل أن يكون المرء حِرَفياً وضيعاً وحامل شهادة في حرفته. وقارن الجادرجي بين العمارة في الغرب التي عاشت تطوراً متواصلاً، وبين العمارة العربية التي توقفت عن التطور منذ 1300 سنة. انتظرت العمارة العربية حتى ثلاثينيات القرن الماضي لكي تبدأ باستقبال مقترحات جديدة على أيدي المهندسين الذين درسوا في الخارج، وحاولوا مزج ما تعلّموه بالتقاليد المعمارية السائدة. ركّز الجادرجي على تجربته الذاتية، كواحد من ذلك الرعيل الذي انشغل بمواءمة ما هو غربي مع متطلبات البيئة المحلية، أي تكييف العمارة الحديثة مع الظروف المناخية وأعراف السكن وهندسة البيت العراقي التقليدي. استعان المعماري العراقي المعروف بشاشة فيديو ليعرض أمام الحاضرين صور «شرائح» من نماذج تطبيقية لتصميماته التي ابتكر فيها حلولاً مناسبة لما سمّاه «إخضاع» التراث المعماري لأفكاره العصرية، قائلاً: «أنا سيَّرتُ التراث وأخضعتُه، وحاولت أن أكون جزءاً من العمارة الحديثة في الوقت نفسه».
أنجز رفعت الجادرجي عشرات المشاريع: نصب الجندي المجهول، مبنى دائرة البريد، مجلس الوزراء، اتحاد الصناعات، المجمع العلمي العراقي، نصب الحرية المأهول بمنحوتات جواد سليم وغيرها. وعرض، أيضاً، تصاميمه لعدد من البيوت، عارضاً أفكاره حول مزج التطور المعماري مع البيئة المحلية.
صاحب «جدار بين ظلمتين» وهو الكتاب الذي أرَّخ فيه للشهور العشرين التي قضاها في سجن أبو غريب بأمر من النظام البعثي، لم ينسَ أخيراً أن يُذكِّر الحاضرين بالدمار الذي تعرضت له معظم تلك المباني بسبب الحروب المتكررة التي عاشها العراق.