غزة ــــ نصر جميل شعثعندما جاءت «دار الهاني» إلى قطاع غزة عام 2004، كانت تحمل في جعبتها الكثير من الأحلام والطموحات من أجل تعزيز موقع الكتاب، في مكان لم ينجُ بعد من كسر في الخاصرة، ولا استفاق من «بنج» السياسة. كانت «الهاني» تدرك أنّها تعمل في المنطقة الحرجة، لكنّ إصرار القيّمين عليها كان يترجم، فعليّاً، بنقل الخبرة التي عُرفوا بها خارج فلسطين إلى هذا المكان العاطفي. ولأنّ الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، تقرّر أخيراً إغلاق الدار لا للتفرّغ لعمل جردة حساب للكشف عن هامش الربح؛ بل لعمل خطة إنقاذ عاجلة قد تسهم في التخلّص من نصف الخسارة، وكسب النصف الباقي من الرغيف.
وسعياً منها للفوز بهذا الاحتمال، أقدمت الدار الخاسرة أخيراً على تنظيم معرض كتاب مفتوح خاصّ بها. حيث قدّمت لفئة القراء المهتمين والمكتبات والمؤسسات الثقافية خصماً بنسبة 50 في المئة على سعر الكتاب. وأقامت «الهاني» معرضها في برج «الشوا الحصري» وسط غزة؛ على بعد أمتار قليلة من مكان إقامتها الذي أُخلي من كل الأثاث والكتب. وتجري حالياً تهيئة هذا المكان لمشروع تجاري استهلاكي جديد قد يكون معرضاً «للمفروشات» أو «مخبزاً» آلياً. وهو ما يعكس ثقافة مجتمع محاصر وجائع تتراجع أولوياته إلى الضروريات الاستهلاكية وإشباع حاجاتٍ، حيث نقصُها الأبديّ في مجتمع عربي لا يسمح لغيرها من الأولويات الثقافية بأن تنمي حسّ التصالح مع الكتاب.
كتبٌ كثيرة وذات اتجاهات ثقافية واجتماعية وفكرية مختلفة ومتعددة كانت تعرضها «الهاني» على الرفوف والمُسطّحات الخشبية. هذا كتاب «في مديح الكسل» للشاعر البلجيكي كليمان بانسايرس، صار سِعره بعد الخصم ما يماثل سعر ربطة الخبز الجاهز؛ المتوقع شراؤها من المخبز المزمع فتحه.
أما ديوان «أي بيت» للشاعر أحمد دحبور الذي كرّمته «الهاني» بنشرها أعماله مع بداية وجودها في غزة؛ فقد أصبح يباع ــــ بعد الخصم المعلن ــــ بخمسة شواكل فقط. وسبعة شواكل ونصف شيكل هو سعر كتاب مارسيل دوشان «الفنّ كعدم» (جانيس مينيك، ترجمة هويدا السباعي، عن المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2002). فيما الكتب الصادرة عن دور نشر لبنانية تباع بأسعار مرتفعة مقارنة بغيرها من الكتب الصادرة لدى دور نشر عربية. والسبب وفق ما يقول أحد أصحاب «الهاني» أنّ «الكتب الصادرة في بيروت هي الأعلى عربيّاً من بين سواها الموجودة على هذه الرفوف والمسطحات الخشبية».