بعد احتفاء CCF بذاكرتي باريس وبيروت صباح أيوب
تحت عنوان «عرض استثنائي لصور من أرشيف المعهد الوطني للمرئي والمسموع الفرنسي (ina) وأرشيف تلفزيون لبنان»، تجمّع مهتمّون مساء أول من أمس في مسرح «مونتاني» في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، ليشهدوا حدثاً مميّزاً برعاية المركز الثقافي الفرنسي ومؤسسةLiban Cinema، وبالاشتراك مع «تلفزيون لبنان». ذاكرة أوروبا وذكريات لبنان تجتمعان في شريطين منفصلين إذاً، لتعيدا سرد التاريخ والأحداث عبر مقتطفات تلفزيونية قصيرة. وثِق الحاضرون بما وُعدوا به، فشخصت العيون إلى الشاشة الكبيرة، وعلّقت الآمال على ما استطاع القيّمون نبشه من ذكريات مرئية... ولكن، مرّة أخرى، خَذَلَ «لبنان» الجميع. فالتفاوت الذي ظهر بين الفيلمين الأوروبي واللبناني والهوّة في مشاهد الذاكرة كانا صادمين! ومن توقّع أن «يسرق» من «أرشيف تلفزيون لبنان»، ولو بالنظر، بضعة مشاهد تاريخية، يحتفظ بها لذاكرته ووجدانه، خرج خالي الوفاض محتفظاً بحنين... للتاريخ الأوروبي فقط! وعلى الرغم من تذكير رئيسة مؤسسة Liban Cinema إيميه بولس بالمشاكل التي واجهت المعنيين لدى ترميم الأشرطة المهملة من الأرشيف اللبناني، جاءت النتيجة السيّئة على حساب انتقاء الصور، والفوضى في اختيار المادة المخصصة للعرض، وعشوائية طريقة العرض. وفيما استعرض الشريط الأوروبي (45 دقيقة) أبرز المحطات التاريخية بطريقة أرشيفية واضحة مع ذكر أسماء الشخصيات وتاريخ كل صورة... غاب هذا التنظيم عن الفيلم اللبناني (27 دقيقة) الذي عرض صوراً «بين الستينيات والسبعينيات». أما في المضمون، فقد جمع الشريط الأوروبي صوراً قديمة، نادرة وبعضها يعرض للمرّة الأولى. استعاد الحضور مشاهد مؤتمر «لاهاي» (1948) وخطاب ونستون تشرشل يعلن «جمع أوروبا بعد الحرب»، واتفاقية روما، ومصالحة فرانسوا ميتران وهلموت كول (1984) وسقوط جدار برلين (1989) حتى مؤتمر ماستريخت وولادة الاتحاد الأوروبي، والمشاهد الشهيرة لتوحيد العملة وصدور اليورو. ولكن المحطات التاريخية الأساسية تلك مرّت ضمن مجموعة من المقابلات واللقطات للحياة الثقافية وتطوّر المجتمع وانتشار المؤسسات الإعلامية التي عاشتها أوروبا: أوّل بثّ لراديو وتلفزيون «مونتي كارلو»، وأوّل نشرة أخبار أوروبية، ومهرجان «أوروفيزيون» الغنائي ومقابلات مع ألفرد هيتشكوك في مكتبه، ولقطة من حفلة لمغنية الأوبرا ماريا كالاس، ولقاء مع الكاتب المسرحي أوجين إيونيسكو «يشرح أصول اسمه»، ومقابلة مع المغني الفرنسي جاك بريل وأداء حيّ له، ولقطات من حفلات وفيديو كليبات لكل من إيف مونتان وسيرج غينسبورغ و«رولينغ ستونز» والـ«بيتلز»، وجلسة مع جون لينون، مشاهد تعرض لأول مرّة للرسام بابلو بيكاسو في مشغله، إضافةً إلى لقاءات مع الرسّامين سالفادور دالي وجان ميرو ورينيه ماغريت وفرانسيس بايكون وتأسيس محطة «آرتي»... «يبدو لي ذلك معبّراً كفاية ومقنعاً أيضاً» بهذه الجملة خُتم الشريط الأوروبي. ثم حان دور الشريط اللبناني، ترى ماذا سيقدّم إلينا «تلفزيون لبنان» من كنوز أرشيفه الدفينة؟ الإجابة: صوراً من دون صوت لمرفأ بيروت في بداياته، ومشاهد طبيعية ضمن كليشيه «البحر والثلج»، مواقع أثرية لم نعرف اسمها أو مكانها، لقطات من الأسواق التجارية وزحمة المارة في أحد الشوارع في مدينة «مجهولة». وطبعاً، حضرت مشاهد الحرب من دون أي ذكر لظروفها أو تاريخها، وتصريح لرئيس الوزراء السابق رشيد كرامي عن «لجنة التنسيق ووقف السلاح وإعادة المخطوفين». ثم مرور صامت لبعض الشخصيات السياسية أمثال شارل حلو وبيار الجميّل وسليم الحص وكمال جنبلاط ووليد جنبلاط... من دون أي دلالة رمزية لما يفعلونه. إلى جانب إطلالتين فنيّتين، الأولى مع فرقة فهد العبد الله، وأخرى لفرقة راقصة لم يُعرَّف عنها... ينتهي الشريط كما بدأ صامتاً، بلا هدف ولا تاريخ ولا مضمون. لا، لم تكن هذه فقط «الحياة في لبنان خلال الستينيات والسبعينيات»! أين بيروت «أيام العزّ»؟ أين المسرح اللبناني، والمهرجانات الفنية؟ أين التصريحات الساخنة لزعماء البلاد؟ أين اللقطات الحصرية للشخصيات التاريخية التي زارت لبنان؟... أين هو أرشيف «تلفزيون لبنان»؟


Imagine مع عسل!

تضمّنت أبرز المقابلات التي عرضها شريط الأرشيف الأوروبي تصريحات وعبارات «تاريخية» لفنانين عالميين: لقطة للمخرج ألفرد هيتشكوك في مكتبه مثلاً يعترف فيها بأنّ «بعض مشاهد أفلامه أرعبته»، وتصريح ثان للرسام بابلو بيكاسو يقول فيه إنّ «لوحة «غيرنيكا» هي تعبير شخصي عن ذكريات كثيرة». وهناك قولٌ آخر للرسام رينيه ماغريت يشرح فيه أنّه «يرسم الجانب المرئي فقط من الأشياء، أمّا اللامرئي، فيفضّل أن لا يتكلّم عنه». إضافة إلى تعليق من الرسام فرانسيس بايكون بشأن «كيف عاش كل الحروب، وهو محاط بالعنف». أما اللقاء مع جون لينون، فتمحور حول أغنية Imagine، إذ شرح مغني الـ«بيتلز» الشهير أن تلك الأغنية هي «رسالة سياسية ولكن مع عسل!»، مضيفاً «حاولت عبرها تمرير رسائل كثيرة بإضافة القليل من السكر».

سنتان من الترميم


تولت شركة The Gate عملية ترميم الأشرطة من أرشيف «تلفزيون لبنان»، وذلك في إطار مشروع مؤسسة Liban cinema الذي بدأ منذ عام 2007 ويمتد على سنتين، تحت شعار «ترميم الأرشيف اللبناني» وبعنوان Plan Image Archive