خليل صويلحيعيد أحمد عبد المعطي حجازي السجال بشأن قصيدة النثر في «قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء» (كتاب دبي الثقافية)، منكراً على مساجليه أنّ النقاش حول شريعة قصيدة النثر قد انتهى. ورغم أنّه يدّعي الديموقراطية في تجاور الأشكال الشعرية، إلا أنّه سرعان ما ينسف هذه الفكرة، فعنوان الكتاب وحده «القصيدة الخرساء» ينفي عنها اكتمال الحواس. يعترف أولاً بأنّ حياتنا الثقافية في أشد الحاجة إلى روح جديدة وأشكال جديدة «لكن هناك مَن يفسّر هذه الحاجة تفسيراً سلبياً سهلاً، ويجعلها حاجة لهدم كل شيء بدلاً من أن تكون حاجةً للتفكير والاكتشاف والبناء». أما أنّ قصيدة النثر ثورة في الشعر العربي وتمرد على الرتابة، فهو قول مرفوض أيضاً، باعتبار هذه الثورة «تهدر في اللغة وظيفتها الاجتماعية وتحوّلها إلى لعبة فردية لا تعني إلا صاحبها».
في المقال الأول «قد أُفسِدَ القول»، يسعى حجازي من دون هوادة إلى تحطيم أي منجز حققته قصيدة النثر العربية «خلال الأعوام العشرين الماضية، لم يظهر في الشعر اسم واحد له شأن». وهو بذلك يرى أنّ حقبة الثمانينيات وما بعدها مجرد حطام لغوي وركاكة في الكتابة بسبب «العولمة من ناحية، وهزيمة يونيو من ناحية ثانية. فهما المعوّلان اللذان انهالا على الثقافة العربية وعلى علاقة أجيالنا الجديدة بها». وإذا بقصيدة النثر تتغذى من ضرعين مسمومين «انهيار اللغة، وتراجع الشعور بالانتماء».
لا نريد هنا أن نذكّر بنماذج مضادة تنسف أفكار حجازي، لكنّ سياق المعركة يشير بوضوح إلى أنّ صاحب هذه الأفكار يدافع عن خندقه الشعري أولاً وأخيراً، فمجلة «إبداع» التي يرأس تحريرها، لم تتمكّن من صوغ مشروع شعري لافت. والكلام عن ضرورة الإيقاع في القصيدة ما هو إلا مبرر للقول إنّ قصيدة النثر «ثمرة من ثمار الصمت الذي أصبنا به». قد يكون الصمت أو النبرة الخفيضة في قصيدة النثر فضيلةً، ذلك أنّ الهتاف الذي مزّق شعراء التفعيلة هو ما أوصل الشعر إلى طريق مسدود، وأوقف الذائقة الشعريّة العربية عند حدود ما تقترحه المناهج التعليميّة في المدارس والجامعات. هكذا، كلما واجه حجازي خصماً لمقولاته، يخترع ذريعةً جديدة ضد قصيدة النثر. وإذا بها «نص وحيد الخلية» و«في البدء كان الإيقاع». وهنا يبدأ سجالاً ساخناً مع جابر عصفور، قاده حجازي إلى معركة شخصيّة وتصفية حساب أكثر مما هو اختلاف في الرأي، رغم إنكاره ذلك في مقالٍ لاحق، ليصفّي حسابات مع آخرين مثل أدونيس فينكر عليه أصالة الأفكار التي طرحها في «الثابت والمتحوّل» ثم ينكر على محمود أمين العالِم، الذي دخل ساحة السجال، اقتراحه بمنح قصيدة النثر «حقّ المواطنة» لأنّها تفتقد الإيقاع الذي هو أحد مكوّنات القصيدة العربية.