حسين بن حمزةيظن المشاهد للحظة أنّ لوحات منى نحلة المعروضة في غاليري «سافانا» ما هي إلا لوحة واحدة موزعة على 29 لوحة. فكرة إنجاز عمل واحد أتت هنا من حقل الرواية، إذْ غالباً ما يردّد النقاد أن الروائي يكتب رواية واحدة طوال مسيرته. لِمَ لا يكون ذلك جائزاً في الرسم؟ معظم الرسامين يعملون على أفكار محددة، ويسعون إلى إشاعة جو واحد أو مزاج متشابه في معارضهم. الجمهور نفسه متواطئ في هذا السعي، فهو لا يريد أن تطالبه كل لوحة بمرجعية شعورية وتشكيلية مختلفة. إذا سلّمنا بهذه الفكرة، فسيكون سهلاً علينا أن نربط مفردة «مرايا» ـــ عنوان المعرض ـــ بطرائق وأساليب تحقُّقها في أعمال هذه الرسامة اللبنانية التي تكشف عن نفوذ قوي للعناوين في مسيرتها التشكيلية. بالنسبة إليها، العنوان ليس مسألة اعتباطية. وهذا يشمل رغبتها في تسمية كل لوحة من لوحاتها، وليس العنوان العام للمعرض فقط. هكذا سيلاحظ المشاهد تسرُّب لعبة «المرايا» إلى المعرض، ولكن مع استبدال المرآة العادية بالقماشة البيضاء الشاغرة قبل أن تحتلها الألوان. ها هي فكرة الكتابة تطل برأسها مجدداً، فالقماشة البيضاء هي شقيقة «الورقة البيضاء» لدى الكاتب. في الحالتين، ثمة مواجهة مقلقة ومرعبة مع فكرة العجز عن الرسم أو الكتابة، أو البدء بهما. الكاتب لا يعرف بأي كلمة يقهر الفراغ، والرسام لا يعرف بأي لون يكسر البياض. معظم لوحات المعرض منجزة بحسب هذه الحساسية. هناك لوحات بعناوين ذات قرابة واضحة مع العنوان العام. المشاهد يصطدم بـ«مرايا» متعددة، مثل: Soulmates و Myself & I... حيث تظهر الترجمات المتعددة لفكرة المرآة في «التوأمة» المشتهاة، و«الأنا» بوصفها آخر سواها. بالمقابل، تأخذنا هذه المقترحات إلى النبرة التشكيلية المستخدمة في تظهيرها. البطولة هنا للأشكال البشرية، لكنها بطولة متقشفة وزاهدة مبتكرة من حوار حميم بين مدوّنة لونية مهرجانية مبهجة وبين انزواء أشخاص اللوحات وآلامهم السرية. التجريد الغنائي هو خلاصة هذا الحوار. سيحضر الأشخاص بملامح ممحوّة وهويات مزعزعة. سيبدو احتلالهم للمساحات الواسعة أقرب إلى خلاءات لونية مبهمة. إنّهم موجودون بغزارة، لكنّ حضورهم التجريدي يختصر شخصانياتهم وأشكالهم الفيزيائية إلى ضربات دؤوبة لفرشاة تفضّلها نحلة عريضة. لعلّ هذا جزءٌ من البيئة اللونية اللائقة بموضوعات الوحدة والمرايا. تلعب نحلة على أكثر من إيحاء ويتلذّذ المشاهد بالنضارة البادية على أعمالها. التناقض هنا متعمَّد وبارع. المعاني المنطوية على نفسها تتعرّض لاحتفال صاخب. المحو والتجريد محمولان على جَلَبَة لونية محبَّبة وجذابة. وعلينا ألاّ ننسى دور الإكريرليك والقياسات الكبيرة في الترويج لهذه الطموحات، فضلاً عن عائلة الألوان المنتقاة بعناية، من البني والنبيذي والأسود والأحمر والترابي.


حتى 28 الحالي ـــ غاليري «سافانا» ـــ للاستعلام: 03/284060