من قال إنّ الإخفاء هو المسار الطبيعي والوحيد للأجساد المستديرة الضخمة؟ من قال إنّ الـ «لانجري» لا تليق إلّا بعارضات الأزياء؟ 25 لوحة تكسر المسلّمات عن مقاييس الأجساد بشيء من الفكاهة
سناء الخوري
ليس بإمكان الواقف أمام لوحات جان لوريوز إلّا الابتسام. نساءٌ ضخمات، تحتلّ مؤخراتهنّ نصف مساحة اللوحة ويحاولن، بصعوبة، ارتداء ملابس داخليّة بمقاسات صغيرة. الصدمة الأولى التي يشعر بها المتلقّي أمام هذه المبالغة الكاريكاتوريّة تتحوّل إلى انغماس في اللعبة المرحة التي تقودنا فيها لوريوز إلى عالم هذه الشخصيّات المخترعة.
في الأعمال الـ25 المعروضة في غاليري «عايدة شرفان»، نرى نساءً بدينات يجلسن على قطع من الأثاث تتناغم مع استدارة المؤخرة كما في لوحة La princesse au pouf أو يمارسن الرياضة بكثير من الرشاقة رغم ضخامتهن كما في لوحة Gymnastique. تبلغ الفكاهة ذروتها في التناقض بين «خفّة» الرياضة وثقل الجسد، كما في Le vélo حيث تركب سيّدة دراجة هوائية يبلغ حجم مؤخّرتها حجمها بأضعاف.
«المؤخرة» إذاً هي محور معرض لوريوز التي استخدمت ألوان الأكريليك على الخشب ما جعل سطح اللوحات أملس والمساحة اللونية نقية. هذا الخيار في استخدام المواد قابله ابتعادٌ عن التنويع في الألوان، فاقتصرت على لون الجلد واللون الأحمر والأخضر والرمادي والأسود. ضربة الريشة المتواصلة على ألوان الملابس، التلاعب بالظلال في الخلفيات وعلى الأجساد، رسم التفاصيل الصغيرة للملابس الداخليّة المزخرفة، كلها تفاصيل تدل على أنّ الريشة متمكّنة. فالفنانة التي حازت جوائز عدة في مجال رسم البورتريهات، شاركت في العديد من المعارض من باريس إلى سان دييغو فنيويورك ولندن لتحطّ رحالها أخيراً في معرضين، كان أوّلهما في ألمانيا وثانيهما في بيروت. لكن ما الجديد الذي تقدّمه لوريوز، والعريّ من أكثر المواضيع المطروقة في مجال الرسم؟
يمكننا أن نشبّه هذه الأجساد الضخمة بتماثيل العصور الحجريّة المكتنزة والمستديرة، التي جسّدت آلهة الخصب والحب وكانت مرادفةً لإغراء الأنثى. كما لا يمكن سيّدات لوريوز البدينات إلّا أن يُحلننا إلى لوحات الكولومبي فيرناندو بوتيرو الذي مثّلت بورتريهاته الضخمة علامةً فارقة وفريدة في الفنّ التشكيلي المعاصر.
لكنّ بوتيرو لم يركّز على الأجزاء الخلفية من أجساد النساء بل رسم أطفالاً ورجالاً ونساءً بدناء، ربما استوحاها من روحية التقاليد الكولومبيّة القديمة المتمسكة باللذّة المطلقة المضخمة العفوية. بالطبع ليست رؤية المؤخرات في اللوحات بالأمر الطارئ على المتلقّي المعاصر، فالإيحاءات الجنسيّة تغرق العين في الإعلانات وعلى الشاشات.
هنا يبرز المنحى النقدي في أعمال لوريوز التي تهزأ من الأمثلة المعلّبة ومقاييس جمال الجسد الرائجة التي يتّخذها المجتمع المعاصر مسلّمات. وإن كان حقّ الاختلاف ورفض العنصريّة تجاه الأجساد البدينة قد أصبحا أيضاً الكليشيه المضاد المكرور، فاختيار لوريوز لتفاصيل معيّنة يوحي بأكثر من التعاطف والفهم والتقبّل للاختلاف.
تضيق أجساد شخصيّات لوريوز بالـ«لانجري»، رمز الأنوثة المطلق أو تلتصق ملابسهن بأجسادهن المستديرة كأنّ هؤلاء السيّدات لا يعشن في عقدة إخفاء العيوب. لا تعود البدانة الأمر اللافت في اللوحة بل طريقة الشخصيّات المرسومة في التعاطي مع أجسادهنّ، فيظهرن بالتالي متحرّرات من عقدة الامتثال لمقاييس جماليّة متعارف عليها. إنهنّ يمتلكن الشجاعة، وحسّ السخرية ليظهرن بكامل عيوبهنّ، وفي مواقف مثيرة للضحك، إلى جانب حيوانات أو كائنات أصغر، يتعاملن معها بعنف كوميدي كما في لوحة le vilain petit canard. ربّما تنتقم لوريوز من خلال الرسم لكلّ اللواتي تخنقهنّ المقاسات الصغيرة التي لم تصممّ خصيصاً لهنّ. ترسمهنّ من مختلف الطبقات الاجتماعيّة: خادمات، سيّدات صالونات، نساء على البحر، يرتدين الأحمر كما يتطلّب الإغراء، أو بملابس منقوشة بالخطوط السوداء والبيضاء الخاصّة بالمساجين، أو يرتدين «الدانتيل المزخرف» دون أن توحي أجسادهنّ العارية بأكثر من هويتهنّ كبدينات وفخورات، ويقلن من لم يعجبه المنظر، فليغمض عينيه


حتى 28 الحالي ــــ غاليري «عايدة شرفان» (وسط بيروت): للاستعلام: 01/983111