أحمد الزعتريما إن تدخل غاليري «رؤى للفنون»، حيث اختُتم أخيراً معرض الفنان السوري نزار صابور «سعادةٌ ما أمكن» حتى تنتابك رغبة بالخروج مباشرةً من المكان. وعندما تصارح صابور بذلك، سيجيبك بابتسامته الشامية «حتماً سأفعل ذلك أيضاً». 21 لوحة معظمها بأحجام كبيرة لن تأخذ على عاتقها تفسير نفسها، ولا حتى تفسير الجمال أو (السعادة) التي هي ثيمة المعرض، بل إنّها تقترح الجمال. الروح التجريدية هنا مسيطرة؛ لا شكل منتظماً يمكن الاتكاء عليه، وليس هناك حضور لمقتني اللوحات الفنية أو حتى الناقد. هي اقتراحات للسعادة في لحظتها. جفصين وبقايا زيتون ورماد وأكريليك وألوان زيتية وورق مذهّب خلطت وصُبَّتْ على السطح بخشونة وجفاء، وتعبيرية صرف بلا ترتيب، كأنها حلمٌ قطنيّ مستمر، يتناوب على تقتير أسباب «السعادة الفنيّة» ويتوارب أمام المشاهد.
بالنسبة إلى صابور (1958)، السعادة هي أن تكون حرّاً، أن تتفلّت من متطلبات المدرسة الفنيّة، وبالتالي كليشيهات النقاد وسذاجة مقتني اللوحات الذي يريد لوناً وتعبيراً وشكلاً معيناً، وهذا ما يفعله في هذا المعرض تماماً. ففي لوحة «سعادة أخرى» (١٠٠ x ١٠٠ سنتم) ستعمل الأرضية الزرقاء على فكرة الإدهاش والحيوية المباشرة. هذه سعادة، لكن أين «سعادة الفنّان»؟ شكل مستطيل تقطعه خطوط سوداء يكتظّ بـ«نقاط المتعة» كما يسميها صابور: دوائر بارزة وملونة، لطخات عبثية، أيقونات بدائية.. ذاكرة بصرية غنية، لكنّها مفرغة من ثقلها وألقها المباشر، لتنسجم مع مشروع صابور الذي يمتدّ على مدى 30 عاماً ويعتمد على الموروث البصري والفكري للمنطقة.
في معرض «بوابات الروح»، اشتغل على شكل اللوحة التقليدية لتصبح بوّابة يبرز منها رفٌّ مطعّم بالصدف... وفي «عن دمشق»، اقترح صابور صورة مغايرة عن دمشق النوافير وأرض الديار والحمام بالاشتراك مع نحات وموسيقيّ، معتمداً على عفوية المشاعر والمزاجات غير المباشرة... وصولاً إلى تجربة «عنترة زماننا» عام 2005، حيث منح شخصية عنترة مزاجات تشكيلية معاصرة اعتمدت كل لوحة فيها على حكاية مختلفة رسمها صابور مستفيداً من التحليل النفسي للشخصية. «سعادةٌ ما أمكن» تجربة قاسية ربما على الذاكرة التقليدية، لكنّها ستعيد دوماً المشاهد إليها كما يتنبأ صابور الذي يؤمن بـ«الفن اللغز»... ذلك الفن الذي يكشف عمقه مع الوقت.