تعقيباً على تغطية «الأخبار» للقاء الذي دعا إليه «سكايز» قبل أيّام لإطلاق عريضة تضامنيّة مع معتقلي «بيان دمشق» في السجون السوريّة، وردنا من المركز ردّ مطوّل غير موقّع، ننشره كما هو. وننشر تحته ردّ التحرير

يود مركز «سكايز» للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية في الشرق الأوسط التأكيد على الحد الأكبر من الموضوعية والمهنية في العمل الصحافي كما في الدفاع عنه، ودوماً من أجل تضامن الصحافيين والكتاب مع حرياتهم، لا من أجل الدخول في «معارك جانبية» نحن في غنى عنها. لذلك، يودّ المركز توضيح الأخطاء المهنية في مقال الزميلة ليال حدّاد في جريدة «الأخبار» بتاريخ 18 /١١/ 2008 في خبر تغطيتها إطلاق عريضة تضامن من جانب كتّاب وصحافيين مع زملائهم في «إعلان دمشق» والذي استضافه مركز «سكايز»:
خطأ نقل المعلومات: تساءلت حدّاد في نهاية مقالها «وهنا يطرح السؤال: لماذا اختار المركز إطلاق نشاطاته رسمياً بانتقاد النظام السوري، علماً بأن المركز معنيّ بحرية الإعلام والمثقفين في كل من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين؟». والصحيح أن الدفاع عن الشاعر الأردني إسلام سمحان قد سبق عريضة التضامن مع معتقلي «إعلان دمشق»، ووصل بيان عن الشاعر وملف عنه لجريدة «الأخبار» لم تنشر شيئاً منهما. والمركز الذي ابتدأ نشاطه في الدفاع عن الكتاب والصحافيين قبل أقل من شهر، فوجئ في هذا الشهر بأكبر حدث لانتهاك الحريات الإعلامية والثقافية في المنطقة التي يهتم بها المركز، وهو الحكم بحبس كتاب وصحافيي إعلان دمشق، فكان تحرك المركز.
مفردات مسيّسة: اختارت حدّاد أن تصف أحكام الحبس بحق معتقلي «إعلان دمشق» بأنها «أحكام قضائية بالسجن»، بعد تغطيتها لحدث لم تشر إلى أن مبرر دعوته الأساسي جاء واضحاً في الفقرة الأولى من نص العريضة والتي جاء فيها «صدر بحقهم حكم مسيّس وجائر»، وليس قضائياً كما حاولت السلطات السورية الإيحاء بذلك، مع ملف كامل وزع للحضور يناقش بالتفصيل وبالبنود القانونية المختلفة لماذا هذه الأحكام «مسيّسة وجائرة».
خطأ نقل المعلومات: بشأن النقاش الهادئ، وضمن حرية إبداء كل شخص لرأيه الذي دار بين الحضور بناءً على مداخلة كريم مروّة مقترحاً تعديل نص عريضة المثقفين والكتّاب، كان أول الردود من جانب إلياس خوري مشجعاً للفكرة، وبادر بصياغة تعديل، وتبعت ذلك مداخلات أخرى، وعلى العكس تماماً مما جاء في مقالة الزميلة حداد التي أحبت أن تكتب «رضخ خوري أخيراً». وفي السياق نفسه، كتبت حدّاد: «انتهى اللقاء بتوقيع الصحافيين على البيان، وأعلن خوري أن البيان هو بداية، وقد تليه اعتصامات وتظاهرات!». قال خوري ذلك في سياق حديثه عن أنشطة المركز في المنطقة العربية أثناء وصفه لعمل المركز، وليس تحديداً عن عريضة التضامن. وإن كان رأي «سكايز» أن المعتقلين بحاجة إلى أشكال مختلفة للتضامن، فنحن معنيون هنا بالمهنية في نقل الخبر.
مهنية الاقتباس: اختارت حدّاد من نص العريضة قبل تعديله مقطعاً على أساس أنه كامل الاقتباس كما كتبت: «السلطة التي لا تحترم كتَّابها، بل تزجُّ بهم في أقبية السجون وتعذّبهم. هي سلطة لا تقمع فقط الكتاب، وإنما تضع المجتمع بأكمله في سجنها الكبير». وقد حذفت جملة كاملة من وسط اقتباسها، من دون أن تشير إلى ذلك بحسب أصول الاقتباس، عدا عن عدم دقة كلمات الاقتباس نفسه الموزع على الصحافيين والمطبوع. ومقطع الاقتباس المحذوف هو «لا تحترم حرية التعبير ولا الدستور السوري ولا اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية التي صادقت عليها».
بيروت، 19 تشرين الثاني 2008

«شكراً على الأمثولة، ولكن....ّ



نكرّر هنا ترحيبنا بانطلاق «سكايز» أخيراً، هذا المركز الذي أخذ على عاتقه الدفاع عن الحريّات الإعلامية والثقافية في الشرق الأوسط، والذي يقترن باسم صديق عزيز وشهيد غال هو سمير قصير. لكنّنا نستغرب الكلام عن ««معارك جانبية» نحن في غنى عنها». إلى ماذا عساها تحيل هذه الجملة التي تتصدّر الرد التوضيحي؟ هل هناك تشكيك في النيّات أو اتهامات ضمنيّة لم نفهمها؟ طبعاً المعركة من أجل الحريّة واحدة لا تتجزأ، لا تحتمل مهادنة أو تسوية، ولا تخضع لحسابات واعتبارات جانبيّة، كما أنها لا تقبل أيّ انتقائيّة استنسابيّة في اختيار أرض المعركة. إنّها معركة واحدة للجميع ــــ تتجاوز كل الخلافات السياسيّة والفكريّة ــــ مثلما الحريّة واحدة للجميع: من غونتانامو إلى السجون التونسيّة (المكانان لا يدخلان في نطاق «سكايز» المباشر هذا صحيح!)، مروراً بالسعوديّة ومصر وسوريا والأردن... والقائمة تطول لسوء الحظ.
على العموم، كنا نتمنّى أن يكون الردّ أقل تهويلاً، وأكثر تحفّظاً في توجيه الاتهامات، وأكثر تواضعاً لدى إعطاء الدروس المهنيّة. العريضة التضامنيّة التي وقّعتها الزميلة ليال حدّاد باسم أسرة تحرير «الأخبار»، لم تكن موضوع نقد في المقالة. لكننا توقفنا عند السجال الصحي الذي أثاره المفكّر اللبناني كريم مروّة خلال الاجتماع، حول جملة نافرة في النسخة الأصليّة من البيان، إصراراً منه على تطهير المبادرة من أيّ نزعة «حزبويّة». هذه الواقعة دفعتنا إلى طرح تساؤلات، من موقع الحرص على الدفاع عن حريّة المعتقلين كغاية بحدّ ذاتها، ورفض احتوائه أو استغلاله في سياق مناورات فئويّة محليّة، أو توظيفه في الصراعات الإقليميّة، ما يسيء إلى القضيّة، ولا يخدم إخواننا القابعين في السجن بسبب آرائهم السياسيّة.
ليس هناك في المقالة التي نشرتها «الأخبار» أي خطأ في نقل المعلومات. التظاهرة الإعلاميّة التي تفتتح فعليّاً نشاطات «سكايز» هي إطلاق عريضة التضامن مع السجناء السوريين لا سواها. علماً أننا نشكركم على الالتفات إلى قضيّة الشاعر الأردني إسلام سمحان التي كانت «الأخبار» أوّل من أثارها في ١٧ ت١/ أكتوبر ٢٠٠٨، وعادت إلى طرح القضيّة ثلاث مرّات (٢٢ ــــ ٢٥ ــــ ٣١ ت١/ أكتوبر) من دون أن نتسلّم أي ملفّ من مركزكم الكريم، أو نلاحظ أن مبادرتكم أثارت الاهتمام الذي تستحقّه في الصحافة اللبنانيّة.
بالنسبة إلى مصطلح «أحكام قضائية بالسجن»، نجد أن لزميلتنا مطلق الحقّ في استعماله، فهو دقيق، ومطابق للواقع. أما تقويم الاحكام، واعتبارها «مسيّسة وجائرة»، فهو الذي يقع، ولو صائباً، في باب التسييس!
وإذا كان من الصعب الحكم بشكل قاطع على ردّ فعل إلياس خوري، بعدما فرض عليه كريم مروّة الاستغناء عن جملة منحازة في العريضة (رصد أساريره في تلك اللحظة، ونبرة صوته وتصرّفاته... مسألة تخضع لذاتيّة المراقب، وتحتمل الاجتهاد والتأويل حكماً)، فإننا على أتم الاستعداد لتصديق ما يؤكده البيان المنشور أعلاه، من أن الكاتب اللبناني المعروف لم يقبل على مضض إنما بروح ديموقراطيّة، بل قل رحّب أيّما ترحيب، بحذف الجملة التي كان واضعها في الأساس، وفيها هجوم تصعيدي، على النظام السوري!
لكن ما زلنا لم نفهم أين الأخطاء المهنيّة الفادحة التي ارتكبتها ليال. بلى، صحيح: لقد أهملت زميلتنا الشابة وضع ثلاث نقط في وسط جملة لم تقتبسها كاملة لضيق المساحة. ولعلّه «خطأها» الوحيد الذي يستحقّ كل هذا الاستنكار! علماً أن الجملة كما نشرناها، ليس فيها أي تشويه، أو تحوير، أو تلطيف للفكرة الأصليّة، ولا أي خيانة لجوهر المعنى. لذا نطمئن شركاءنا في الدفاع عن حريّة الثقافة والإعلام (في ديار العرب)، إلى أنّها لم تكن «مؤامرة» عليهم، كما أورد أحد مواقع الإنترنت المتحمس لمبادرتهم. كلا، المعركة من أجل الحريّة، لا تحتمل توظيفات سياسيّة ولا معارك جانبيّة!
(التحرير)