من مسابقات المسلسلات إلى الجوائز الرياضية محمد عبد الرحمن
يبدو أن اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري، قد اتخذت قرارها بمحاربة إعلانات ما يعرف بالـ «0900» (تعنى باتصال المشاهدين للحصول على رنات موبايل وجوائز نقدية وصور...)، بالطرق القانونية. وذلك عبر طرح مشروع قانون سيناقش في المجلس، ويقضي بوقف بثّ هذه الإعلانات على شاشات التلفزيون. بدأت قصة «0900» قبل عشر سنوات. يومها، لم تكن الفضائيات منتشرة بكثرة بين المصريين، وقد قوبلت باحتجاج كبير من الشارع المصري بسبب كلفتها المرتفعة. وعلى رغم ذلك، كان الإقبال على هذه الإعلانات كبيراً، ولا سيما من جانب الشباب، بحجة أن كلفة الدقيقة الواحدة لا تتعدّى الخمسين قرشاً. غير أنّ التجربة تختلف عن الإعلان. ذلك أن المصريين اكتشفوا أن كل اتصال لا تقلّ مدّته عن العشر دقائق. وبالتالي، طالبوا شركة الهواتف الأرضية بسحب الخدمة التي أضيفت تلقائياً إلى خطوطهم، على أن تعطى لمن يطلبها فقط.
غير أن موجة «0900» عادت إلى الظهور بقوة مع انتشار الهاتف المحمول، الذي بلغت كلفة الدقيقة الواحدة منه جنيهاً ونصف جنيه، فيما ظلت كلفة الاتصال على أرقام «0900» كما هي. فتهافتت الشركات الخاصة على تقديم خدماتها من النغمات ومقاطع الأفلام الفكاهية. هكذا، تطوّرت الظاهرة تدريجياً، فأصبح الاتصال على هذه الأرقام يعِدُ ملايين المشاهدين بالثراء السريع والسهل. وذلك، بواسطة الاستعانة بفنانين معروفين، وفتيات إعلانات، وحتى شخصيات الكارتون، كـ«المفتش كرومبو» الذي لاقى مثلاً نجاحاً كبيراً بين الصغار.
والجدير ذكره، في هذا الإطار، أن شركة التلفونات الأرضية الحكومية «الشركة المصرية للاتصالات» تحصل على نسبة كبيرة من مردود هذه الاتصالات.
من جهة أخرى، يبدو لافتاً أن هذه الإعلانات تعتمد اعتماداً أساسياً على الأسئلة الساذجة بهدف دفع الآلاف للاتصال وتجربة حظهم، فتتحوّل هذه المسابقات إلى ما يشبه «اليانصيب» الممنوع قانوناً في مصر حالياً. كذلك، فإن محطات التلفزة باتت لها مسابقتها الخاصة وإعلاناتها التي تحمل اسم المحطة، والتي تشجّع المشاهدين على الاشتراك بكثافة. وبينها «بانوراما دراما» التي تقدم أسئلة لمسلسلات تعرض على شاشاتها في الوقت نفسه، وهو ما تفعله أيضاً قناة «موجة كوميدي» و«كايرو سينما». إذ تُصرُّ هذه المحطات على طرح أسئلة، أجوبتها معروفة سلفاً عند المشاهد مع تقديم خيارات شديدة السهولة للأجوبة. على سبيل المثال، فإن السؤال المتعلّق ببطولة مسلسل «الشهد والدموع» كانت خياراته: « نور الشريف، يوسف شعبان، فريد شوقي»، في وقت بإمكان أي مصري معرفة الجواب حتى لو لم يشاهد المسلسل!
إلى جانب البرامج الفنية والمسلسلات، بدأت المحطات الرياضية تستعمل الأسلوب نفسه، وهو ما يراه بعضهم السبب الرئيسي لتحرّك اللجنة الدينية في مجلس الشعب، إذ تحوّلت هذه الأسئلة إلى مراهنات يقدمها الجمهور عن نتائج المباريات. ويسعى القيمون إلى منع أي نوع من الأسئلة التي تحدّد عدد الأهداف خوفاً من تهافت المصريين على هذا النوع من «الرهان» أو «القمار» الرياضي بحثاً عن الكسب السريع. من جهة ثانية لا تختلف الأسئلة الرياضية عن أسئلة الدراما، فتطرح مثلاً إحدى القنوات سؤالاً عن «أفضل لاعب في بطولة كأس أمم أفريقيا 2008» بعد أيام قليلة من انتهائها. بينما المصريون يعلمون أنه المصري حسني عبد ربه. وتتميّز القنوات الرياضية بأن أغلبها يطرح السؤال نفسه في وقت واحد.
ومن الجدير ذكره هنا أن مجلس الشعب ناقش ــ من دون نتيجة ــ عام 2004 قضايا «النصب والاحتيال» المتعلقة بهذه الإعلانات والمسابقات، التي وصلت إلى ستين قضية مطروحة في ذلك العام. كما ناقش في الوقت نفسه ظاهرة ما يعرف بالمستشار الطبي والديني والقانوني من خلال إعلانات «0900» ومدى أهلية أصحاب تلك الأرقام على الرد على أسئلة الجمهور وإفادته. إضافةً إلى دور وزارة الاتصالات في محاربة هذه الظاهرة والحدّ من انتشارها بين المصريين... وكل ذلك من دون أن تصدر أي نتائج بشأن الموضوع... فهل ستتغير الأمور اليوم، ويصلُ المجلس إلى حلٍّ فعلي؟ وإذا كانت القضية قد تحرّكت في مصر، فمتى تنقل إلى بقية الدول العربية التي تنتهج شاشاتها الأسلوب نفسه من إعلانات «0900»، إنما مع تغيير الأرقام؟


«المفتّش كرومبو»

قد لا يكون مبالغاً في الأمر إن قلنا إن شخصية «المفتش كرومبو» وأسئلته كانتا نقطة تحوّل في مسابقات «0900» (يُطلق عليها هذا الاسم، لأن أرقام الشركات التي تقدم هذه المسابقات، تبدأ بـ 0900). ذلك أن هذه الشخصية أجبرت صنّاع المسابقات الأخرى على التفكير في وسائل جديدة للاستمرار في المنافسة. وبعيداً من «خفة دم» المفتّش وطريقة كلامه ولفظه للكلمات، دفع «كرومبو» بالمشاهدين إلى البحث عن الجاني. والمسابقة هنا، تبتعد عن الأسئلة السطحية، وأجوبتها المعروفة سلفاً. صحيح أن «كرومبو» يذكر الحل ضمناً في كلامه، لكن الأمر يحتاج إلى قليل من التفكير، ما دفع بالمعجبين إلى مناقشة الحلول عبر الـ«فايسبوك». وهو ما يبرّر أيضاً نجاحه مقارنةً بالمسابقة الأحدث «العميل 101» التي تعتمد على ممثلين حقيقيين.


ليلى غفران