روايات ميدانية، حكايات شبابية، وورشة عمل متعددة الوسائط من تنظيم «منصّات» و«المؤسسة العربية للصورة»... والنتيجة وثائقي يعرض قريباً
صباح أيوب
«حكايات من مدينة منسيّة» هكذا سمّى موقع «منصّات» الفقرة الجديدة التي حلّت على صفحته الإلكترونية أخيراً. «الحكايات» هي روايات ميدانية من أهل الموقع عن تجربة خاضوها منذ أسابيع، وأخرى على لسان شباب من الشمال. أما «المدينة المنسيّة» فهي... طرابلس. المشروع: ورشة عمل درامية ـــ متعدّدة الوسائط من تنظيم «منصات» و«المؤسسة العربية للصورة» Arab Images Foundation بمثابة جزء تمهيدي لفيلم وثائقي عن شباب باب التبانة من إخراج يمنى عيتاني، بعنوان «وشم بالعين». أمّا السبب فهو «الوضع اللاسلمي الذي يخيّم على منطقتي باب التبانة وجبل محسن منذ ما بعد اتفاق الدوحة». هذا ما حرص القيّمون على الموقع أن يشرحوه للقرّاء رغم أنّ الصراع بين هاتين المنطقتين يعود إلى عقود من الزمن. هكذا، انتقل إذاً فريق عمل مؤلّف من خمسة أشخاص (جاكسون أليرز، سيمبا روسو، سيسكا، ساسين كوزلي وسولين دكّاش) إلى «بيت الفنّ» في مدينة الميناء ـــ طرابلس ونفذوا ورش عمل مختلفة بين «سيكودراما» وتعليم على تقنيات التصوير والمقابلة الصحافية وغيرها... فما كان هدف المشروع؟ كيف كان التنفيذ الميداني؟ وإلى أيّ مدى نجحت تلك الورشة في إحياء عيّنة من سكّان أفقر مناطق «المدينة المنسيّة»؟ وهل اجتمع فعلاً شباب باب التبانة وجبل محسن في ورشة عمل؟ «رسالتنا دفع المجتمع المدني لرؤية الواقع كما هو من أجل تغييره»، هكذا يشرح مدير المشاريع في «منصات» والمدير التنفيذي ورئيس «المؤسسة العربية للصورة» سامر معضاض الذي يؤمن بأنّ «حلّ المشاكل الأساسية يكمن في العودة إلى أصل الأزمة لا الاكتفاء بتحسين القشور ». وعلى رغم اعتراف معضاض بأنهم «ما زالوا في بداية الطريق» إلا أنه يقوّم التجربة الحالية كـ«أول تجربة من نوعها على الصعيد الفني والإعلامي والاجتماعي». فهل ينجح المشروع المموّل «دولياً» كما يقول معضاض، في نقل الصورة الفعلية عن حالة الفقر والإهمال التي يعيشها أهل المنطقة؟ يُجمع أعضاء فريق العمل الشاب على تلمّسهم للهوّة الاجتماعية والمعيشية التي تكمن بين العاصمة بيروت ومناطق الشمال، ما دفعهم إلى إطلاق تسمية «المدينة المنسية» على المشروع.
لكن ذلك لم يحل دون تنفيذهم التمارين والعمل على مساعدة عيّنة من شباب المنطقة على «فهم أنفسهم والآخرين بطريقة أفضل». تمارين رياضية ـــ نفسية، تربية مسرحية، تقنيات مسرح الصورة وتمارين على التعبير المسرحي، إضافة إلى تعليم فن المقابلة وتنفيذها وتقنيات الصوت وغيرها.. هذا ما استخدمه فريق العمل من تقنيات للتعرّف على المشاركين وتدريبهم. وقد توزّع المشاركون على ثلاث مجموعات ضمّت طلاب إعلام من «جامعة الجنان»، وشباباً من «مؤسسة الأب عفيف عسيران»، وشباباً من منطقة جبل محسن، إلى جانب مجموعة صغيرة مؤلفة من 5 شباب من باب التبانة تراوحت أعمارهم بين 11 و19 سنة وهي المجموعة التي ستشارك في فيلم «وشم بالعين» النهائي. «واجهنا بعض الصعوبات، في البداية وخاصة في ما يتعلّق بجمع أعضاء المجموعات في عمل واحد» يشير ساسين كوزلي، وذلك للاختلاف الكامن بينهم، لكن كوزلي يؤكّد أنّ «الاصطدام تلاشى تدريجاً مع تقدّم مراحل ورشة العمل إلى أنّ زال نهائياً وبات الجميع مستعدّين لتقبّل بعضهم بعضاً والاجتماع في عمل واحد مشترك». وعلى رغم فشل محاولة جمع المشاركين من باب التبانة مع شباب جبل محسن «لتفادي اصطدام كبير قد يودي بكامل العمل ويأتي على حساب المشاركين جميعاً وعلى حساب الهدف الأساس» كما يقول كوزلي، إلا أنّ النتيجة «الجيّدة والملموسة» ظهرت جلياً في «التغيّر الذي طرأ على سلوكيات الشباب الذين استجابوا جيّداً مع التمارين المسرحية، ما انعكس إيجاباً على تصرّفاتهم في الحياة اليومية على الصعيد الفردي وفي ما يتعلّق بعلاقتهم بالآخر» يشرح كوزلي. والخلاصة العملانية، مجموعة أفلام قصيرة مصوّرة ستنشر تباعاً على موقع «منصات» وتعرض في طرابلس بحضور المشاركين، وهي من تنفيذ هؤلاء الشباب الذين جمعتهم في النهاية التجربة المهنية والعلاقة الاجتماعية السليمة بعد تأمين الجو المناسب لها. وهذا بالضبط ما تحدّثت عنه سولين دكّاش، التي عملت على «خلق مساحة آمنة للمشاركين ليعبّروا عن أنفسهم بطريقة أفضل»، والتي أسهمت من خلال تمارين وتقنيات مسرحية بالنجاح في «خلق دينامية ومساحة مشتركة لتلاقي المجموعات على اختلاف أفكارها وأهدافها». تحدّيات مهنية ونفسية وشخصية واجهت الأطراف المشاركة جميعاً، لكن الخطوة اتُّخذت ونُفذّت بطريقة سليمة. أما الأهمّ فهو العلاقة الشخصية التي نشأت بين المدرّبين والمشاركين التي تخطّت كل العقبات والفوارق الموجودة، و«هذا ما لن ينسى» كما علّق الجميع.