حسان بديربعد عرض عشرة أفلام روائية طويلة، اختتم أخيراً «مهرجان السينما الإيرانية الثاني» في بيروت الذي نظّمه «مركز بيروت»، والمستشارية الثقافية الإيرانية، وقناة «المنار»، بالتعاون مع «الجمعية اللبنانية للفنون» في صالة رسالات (الغبيري). أتت هذه الدورة من المهرجان، لتكمل ما بدأه المنظمون في دورته الأولى في مسرح «دوّار الشمس»، محاولاً فتح نافذة حوار بصري ومشهدي بين ضفتين ولغتين. افتتح المنظمون المهرجان بفيلم «السيد المسيح» وأدّى حضور مخرج الفيلم، نادر طالب زاده، وبطل الفيلم أحمد سليمان نيا، إضافة إلى حفلة الافتتاح، إلى مساحة من اللقاء المباشر بين صنّاع الفن في إيران والإعلام والجمهور اللبناني الذي توافد طوال الأيام الستّة لحضور أفلام تنوّعت بين المواضيع الاجتماعية ذات البعد الإنساني والعائلي.
وفي نظرة عامة إلى مواضيع الأفلام التي عرضت، قدّم فيلم «الليل» للمخرج رسول صدر عالمي، العلاقة الملتبسة بين السجين والرقيب، ليأتي اللقاء بينهما في كنف مقام الإمام الرضا مؤشراً إلى إيجاد لغة من التواصل الإنساني بينهما.
أمّا «نهاية الطريق» للمخرجة أفسانة منادي، فيعكس صورة العائلة التي فككتها ظروف الحياة القاسية ومتطلباتها، وفي «جعبة الموسيقى» قدّم المخرج فرزاد موتمن، ملك الموت بصورة مبسّطة على قاعدة اعتبار الحياة قنطرة من حياة إلى حياة. أما «الساعة الخامسة والعشرون» للمخرج مسعود اب برور فقدم مكاشفة مع الذات بين جيل وجيل من خلال عودة روح الأب الشهيد إلى عائلته، وفيلم «الوحدة» لحجت قاسم زاد أصل، تناول نسيجاً أسرياً مفعماً بالإنسانية عن تضحية الابن من أجل والده.
أما «اختيار» للمخرج نادر مقدسي، فقدم صرخة امراة في وادي الغربة، سعياً لرغبتها في العودة إلى أحضان الوطن. وفي «صبغة الله» أو «لون الجنة»، للمخ المعروف مجيد مجيدي، كان ثمة مكاشفة بين الطبيعة والوجود من خلال طفل كفيف، وذلك بلغة إنسانية وعاطفية شفافة ومؤثرة، يضاف إلى ذلك فيلما «ميم مثل مادر» للمخرج رسول ملا ملي بور، وفيلم «حافة الليل» للمخرج كيومرث بور أحمد، إذ قدما رؤية اجتماعية وإنسانية في العلاقة مع الأم كقيمة داخل الأسرة وفي العلاقة مع الآخر من منظور إنساني.
أمّا الندوة التي نظمتها المستشارية الثقافية الإيرانية على هامش المهرجان، فقد كانت فرصة للقاء والحوار بين السينمائيين والممثلين الإيرانيين والجمهور اللبناني من نقاد وإعلاميين. وقد تحدث في الندوة الناقدان محمد حجازي وجورج كعدي، وتناولا موقع السينما الإيرانية في المهرجانات العالمية، والأثر الذي تركه الإسلام والثورة في إيران على الإنتاج السينمائي. هذا إضافةً إلى مداخلات المخرجين نادر طالب زاده ورسول صدر املي.
ورغم اختتام المهرجان، يبقى السؤال عن إمكان نجاح السينما في خلق لغة من الحوار الثقافي والحضاري بين الشعوب. إذ كان لافتاً في المهرجان التوافد الكثيف على حضور العروض من شرائح اجتماعية متنوّعة. وهو توافد يشير إلى أهمية هذه المهرجانات التي تقدّم فسحةً فنيةً جماليةً مؤنسنة بعيدةً عن الأفلام الهوليووديّة: سينما تنضح بكل ألوان الطيف الإنساني والاجتماعي.