بيار أبي صعب معرض الكتاب يبعث على شيء من التفاؤل، في المدينة التي تحلم بالاستقرار السياسي، وتتهيّأ كي تصبح عاصمة عالميّة للكتاب. لكننا نعرف جميعاً أن المناسبات التي تخترعها المنظمات الدوليّة، قد تستحيل فخّاً مزعجاً، أو استعراضاً فارغاً، حين لا يتوافر في البلد المضيف الحدّ الأدنى من المقوّمات اللازمة لمواكبة الحدث واحتضانه. من هنا الخوف على بيروت التي لم تعد تشكّل سوقاً للكتاب (الثقافي) منذ أمد بعيد. هذه الحقيقة نتجاهلها معظم الأحيان. ليس الكتاب هو الذي يحتضر هنا بل القارئ. وإذا كان الناشر اللبناني ما زال يحتفظ بنوع من التفوّق التقني والفنّي والتسويقي، ويستفيد من صيت المدينة التي كانت ذات يوم منارة نهضويّة ومختبراً للحداثة، فلم يبقَ في الحقيقة من تلك المدينة سوى المشغل والـ show room... إنّها قاعدة خلفيّة للكتّاب لينطلقوا إلى الأسواق العربيّة والعالميّة. أما القارئ، ففي مكان آخر. بيروت ما زالت لبعض الوقت عاصمة للكتاب، لكنّ العدّ العكسي قد بدأ على أكثر من صعيد. المؤسسة الثقافيّة نفسها تقوم على ذهنيّة نفعيّة وآنيّة، والمؤسسة الأكاديميّة تخرّج تقنيين لخدمة الكاباريه العربي الكبير، والمؤسسة الإعلاميّة تمضي في التسطيح والتشويه والاختزال والابتذال... فمن يخدم المشروع النهضوي؟ من يروّج للكتاب وينمّي حسّ التفكير والقراءة؟ القراءة بالضّاد، والتفكير فيها.
تنعم بيروت بحريّة نسبيّة، لكن بطش أجهزة الرقابة التي استفاقت فجأة أكثر من مقلق. والرقابات غير المباشرة التي يمارسها المجتمع الأهلي، وجماعات الضغط، ورأس المال نفسه، تقضم من فضاء الحريّة وتقيّدها. في تلك الأثناء العالم يتغيّر بسرعة. يكفي أن ترتفع عصا المطاوعة أسبوعين عن رؤوس العباد في جدّة مثلاً، كي يشتري السعوديّون من الكتب في أيام، ما لم يقرأه اللبنانيون في عام. إذا لم يتعاون الجميع على مشروع تنمية ثقافيّة، فلن يبقى لنا قريباً إلا الكاباريه والدكّان...