ينطلق بعد ظهر اليوم «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» برعاية رئيس الوزراء فؤاد السنيورة. الدورة الـ52 من المعرض العريق الذي ينظمه «النادي الثقافي العربي» بالاشتراك مع «اتحاد الناشرين في لبنان»، تراهن على تجاوز سقف الـ 350 ألف زائر، على أن يأتي العام المقبل بمزيد من التطوير والتوسّع «في حال ترسُّخ الهدوء الأمني والسياسي»
زينب مرعي
ينعم معرض «بيروت العربي الدولي للكتاب» الذي ينطلق اليوم في مركز «بيال» بمناخ من الهدوء الأمني والسياسي لم يتوافر له في السنوات الثلاث الماضية. جو يحثّ «النادي الثقافي العربي» (الجهة المنظّمة) ودور النشر على التفاؤل بنجاح الدورة الـ 52. التوّقعات مصحوبة بالتمنّيات تعلو فوق سقف الـ 350 ألف زائر، ولا تتوقف مطوّلاً عند خيبة أمل المعرض الفرنكوفوني لأنّ جمهوري المعرضين مختلفان، بحسب دور النشر المشاركة. ولأنّ الاعتماد الأساسي في المعرض يكون على الصفقات التي تُبرم مع الزوّار من دور النشر العربية لا على البيع الفردي. تتوقّع دور النشر كما رئيس النادي الثقافي العربي عمر فاضل ارتفاعاً في عدد الزوّار العرب هذه السنة. رغم أنّ عدد الدور العربيّة المشاركة مباشرةً في المعرض (31 داراً) لم يسجّل اختلافاً عن معدّل المشاركة في السنوات الماضية، إلّا أنّ عمر فاضل، يرى أنّنا سنلاحظ نمواً في هذا الرقم بدءاً من معرض 2009، إذا ترسّخ الهدوء الأمني والسياسي.
وعلى رغم ازدهار معارض كتب أخرى في البلد ـــ كمعرضي «الحركة الثقافيّة» في انطلياس و«المعارف» في الضاحية ـــ فإنّ معرض بيروت لا يزال التظاهرة الأساسيّة على مستوى لبنان والمنطقة. إذ تشارك معظم الدور في المعارض الثلاث، إلّا أنّها تؤكّد أنّ معرض بيروت يبقى الأساس، لأنّه يستقطب أكبر شريحة من اللبنانيين، ولأنّه موعد هام على أجندة العرب أيضاً. يرى ربيع مرعي من دار «النهضة» أنّ المعارض الثلاثة هدفها مساعدة الكتاب، لكنّ معرض بيروت هو الأهم، لأنه الوحيد الذي يحمل الطابع الدولي، ولأنّه الأضخم من جهة التنظيم والمشاركة. زياد معروف من «مركز دراسات الوحدة العربيّة» يقول إنّ الدار تشارك بخجل في المعارض الأخرى، لكنّ ما يهمّها هو معرض بيروت. وهناك دور نشر أخرى تجد خلف تعدّد المعارض أسباباً سياسية وطائفيّة. بشار شبارو من «الدار العربيّة للعلوم» يرى أنّ «السياسة هي المحرّك الأساس لكل شيء في هذا البلد. مع ذلك، نحاول «تدوير الزوايا» كي نحافظ على الوحدة الثقافيّة قدر المستطاع». كذلك ينظر جوزيف أبو عقل مدير «دار الفارابي» إلى المسألة من الزاوية السياسية، لافتاً إلى أنّ هناك ثلاثة رؤساء في البلد، يجب على كلّ واحد، أن يفتتح معرضه. ويضيف: «لكن معرض بيروت هو المعرض الأساس». ويرى رياض الريّس أنّ بيروت لا تحتمل إلاّ معرضاً واحداً، وأنّ المعارض الأخرى وُجِدت لأسباب طائفيّة «حتى إنّ معرض بيروت تحوّل إلى معرض سُمّي بأنه لأهل السنّة، ومعرض انطلياس هو معرض مسيحي، ومعرض الضاحية شيعي، لكن لا وجود جدّي لهذين الأخيرين، لأنهما وُجِدا للترويج لأفكار سياسيّة فقط». إلّا أنّ عمر فاضل يرى أنّ تسييس المعرض خطأ كبير، متجاوزاً صورة سعد الحريري العملاقة التي تستقبل الزائرين، ويضيف إنّ معرض بيروت لا يوحي بأي انتماء سياسي: «من يلمّح إلى مقاطعة المعرض هو أسير الانقسامات السياسية الداخليّة».
من جهته، يردّ حسين عزّ الدين من «دار الهادي» ـــ إحدى الجهات المنظّمة لمعرض «المعارف» ـــ على الشائعات المغرضة التي تنسب إلى منظّمي معرض «المعارف» دعوتهم إلى مقاطعة معرض بيروت: «هذا الأمر غير صحيح أبداً، بل نحن نشارك في «معرض بيروت» على غرار كلّ سنة، وندعو منظّمي معرض بيروت للمشاركة في معرضنا. هدف معرض الضاحيّة هو هدف ثقافي لا سياسي». هناك اجماع إذاً على أنّ معرض «بيروت» هو الأساس، تشارك فيه هذه السنة 152 داراً لبنانيّة تعرض خصوصاً، إصداراتها الجديدة وتحاول إبراز بعض العناوين من خلال حفلات التوقيع. وتؤكد دور النشر أنّ حفلات التوقيع في المعرض، لا تعكس بالضرورة أهم الكتب التي أصدرتها الدار خلال السنة، إنّما تكون إجمالاً من نصيب الكتّاب اللبنانيين بالدرجة الأولى، وثانياً من نصيب الكاتب العربي الذي بإمكانه الحضور.
ورغم المشاكل التي تواجه النشر والكتاب عموماً، فإنّ الدور تعمد إلى المحافظة على عدد إصداراتها السنوي من دون طموح بالزيادة. فكم إصداراً جديداً تعرض دور النشر هذه السنة في المعرض؟ وهل ينتظر القارئ أن يرى جنوحاً لديها نحو إصدار الرواية والكتب السياسية والإسلاميّة، بما أنّها الكتب الأكثر مبيعاً؟ أم أنّ دور النشر ما زالت تحافظ على اتجاهاتها الأساسية وتوازن في النشر بين الكتاب الفكري و«الثقافي» والكتاب «الشعبي»؟
بالنسبة إلى جوزيف أبو عقل، فإنّ دار النشر هي التي تتحكّم في السوق لا القارئ، وهي تخلق شبكة قرّائها بحسب اتجاهها. ويضيف إنّه منذ إنشائها، تهتم «دار الفارابي» بنشر الكتب الفكريّة والسياسية مع بعض الروايات والدراسات وتبحث عن الكتاب الأكثر مبيعاً في المجال الذي يعنيها. مع ذلك، يضيف إنّه «لضمان استمراريّة الدار، ننشر الكتب الثقافيّة التي تخدم هدفنا لكنّها لا تحقّق ربحاً مادياً وننشر أيضاً كتباً أخفّ، تجذب عدداً أكبر من القرّاء». وتحافظ الدار على معدّل إصدار يراوح بين 100 و110 كتب سنوياً. ويرى بو عقل أنّ السوق السعوديّة هي السوق الأوسع للكتاب اليوم.
كذلك، يرى ربيع مرعي أنّ الدار هي التي تحدّد اتجاهها وتختار قرّاءها. يقول إنّ «لدار النهضة منحى خاصاً في النشر اتخذته منذ الستينيات، وهو نشر الكتاب الأكاديمي و«التثقيفي». وتصدر «النهضة» بين 30 و50 عنواناً أكاديمياً، ومن 16 إلى 20 ديواناً شعرياً في السنة، ويُعدّ هذا الرقم في إصدار الدواوين الشعريّة كبيراً. كما يُحسَب للدار اهتمامها بكتب الأطفال هذه السنة ضمن سلسلة «أصالة». وبالنسبة إلى زياد معروف من «مركز دراسات الوحدة العربيّة»، يبدو الامر محسوماً أيضاً منذ البداية: «هدف المركز هو البحث العلمي حول تكامل المجتمع العربي والوحدة العربيّة، بعيداً عن كل نشاط سياسي». ويرى أنّ المركز نجح في تكوين دائرته الخاصّة من القرّاء المتخصّصين، وهو يصدر 50 عنواناً في السنة، أكثرها مبيعاً هي كتب عزمي بشارة، وكتاب «فهم القرآن الحكيم» لمحمد عابد الجابري. وتبدو الدور التي تنشر جميع أجناس الكتب، هي الأكثر محاولة لقولبة اتجاهاتها مع ما يريده القارئ.
وتقول رانيا المعلّم من «دار الساقي» إنّ الرواية تحتلّ المرتبة الأولى على لائحة المبيعات، يتبعها الكتاب السياسي والديني. وتضيف إنّ الدار حققت في السنوات الأخيرة تقدّماً مهماً في إصداراتها الروائيّة: «منذ فترة قصيرة، لم نكن بين أشهر الناشرين في مجال الرواية. أمّا اليوم، فيُصدِر لدينا حسن داوود روايته «مئة وثمانون غروباً»، ونعرضها في السوق لأول مرّة من خلال معرض الكتاب، كما سنُصدر، قريباً، رواية لعباس بيضون. كذلك فإنّ رواية اليمني علي المقري «طعم أسود... رائحة سوداء»، هي بين لائحة الأسماء الـ 16 المرشّحة لنيل جائزة «بوكر»..». وتضيف المعلّم إنّ المسألة ليست مسألة «الجمهور عايز كده» فقط، بل إنّ الدار تحاول أن توازن بين إصدارات الكتب التي يحبّها الجمهور، وبين الإصدارات الأخرى التي تعدّ «ثقافيّة» ككتاب «سقوط المحرّمات» لوطفاء حمادي مثلاً... وتردف: «نهتم أيضاً ببريستيج الدار». نذكر أنّه صدر أيضاً لدى الدار، كتاب «فرح...» المخصّص للأطفال للشاعر حسن العبدالله. وصدر لـ «الساقي» 40 عنواناً هذه السنة.
«الدار العربيّة للعلوم» تهتم «بكل أنواع العلوم» أيضاً... ويعتزّ بشار شبارو بأنّ الدار استطاعت إصدار كتاب كل يوم ونصف، فكانت الحصيلة 250 عنواناً هذه السنة، وهو عدد كبير مقارنةً بإصدارات دور النشر الأخرى. ويضيف شبارو «كتبنا ترضي جميع الأذواق»، مستدركاً: «لكنّنا ركّزنا اهتمامنا في السنتين الماضيتين على الرواية». الرواية إذاً هي الأكثر مبيعاً، يتبعها الكتاب الإسلامي لأنّ مجتمعاتنا لديها اهتمام ديني عموماً، بحسب شبارو، ويضيف إنّه «بإمكان كتاب الطبخ التفوّق على هاتين الفئتين، إذا كان الشيف معدّ الكتاب نجماً تلفزيونياً».
رياض الريّس وحده يرى أنّ دار النشر لا تحدّد اتجاهات القارئ. ويضيف: «كل ما في الأمر أنّ كل دار لها سياسة معيّنة في اختيار منشوراتها، ونحن نصدر الكتاب الذي نعتقد بأنّه يصلح للقراءة، والقارئ يحدّد لاحقاً إذا كان موقفنا صحيحاً. وليس هناك من ناشر قادر على فرض كتاب على القارئ ولو وزّعه مجاناً». وتصدر الدار كلّ سنة حوالى 40 كتاباً، موزّعة على مختلف الأجناس. ويصنّف الريّس نفسه بـ «الناشر الشعبوي»، أي إنّه ينشر الكتب التي يرى أنّ لها أكبر قدر من الشعبيّة. ويعترف الريّس بأنّ الرواية كانت الأكثر شعبيّة بين الكتب في السنتين الأخيرتين، وليست جنسيّة الرواية هي التي تساعد على بيعها، بل اسم كاتبها. فيقول إنّ رواية سلوى النعيمي «برهان العسل» مثلاً حقّقت رقماً جيداً من المبيعات، وهي تصدر في المعرض في طبعتها الثالثة. ويشير إلى أن اسم رشيد الضعيف كذلك يجذب القارئ.
وتتّفق معظم دور النشر، على أنّ الرواية السعوديّة لم تعد «رائجة» كما حدث مع بداية انتشارها، بل إنّ مستوى مبيعاتها هو دون العادي. كذلك تتّفق الدور على أنّه رغم ضعف الكتاب الشعري أمام الأجناس الأخرى، فإنّ اسمَي نزار قباني ومحمود درويش هما الأقوى فوق ساحة الشعر.

حتى 11 كانون الأول (ديسمبر) المقبل ــــ مركز «بيال» (بيروت). للاستعلام: 01،345948


يترافق المعرض مع برنامج ثقافي واسع يشارك فيه أيضاً هذا العام طلبة لإبراز مواهبهم في كتابة القصة القصيرة، ونظم الشعر والرسم والتمثيل المسرحي والعزف على الآلات الموسيقية. يُذكر أنّ اللقاء الموسيقي الوحيد في المعرض سيكون لخالد الهبر. إذ يوقّع الفنّان اللبناني ألبومه الجديد «هيدا زمانك» في 1/12 (س 6 مساءً) في جناح دار «الفارابي»