بيار أبي صعبكان الذهول يلفّ الرأي العام، حين استقبلت سحر الخطيب في «الحدّ الفاصل» على «أخبار المستقبل»، الكاتب إلياس خوري للحديث عن الاعتداء الذي تعرّض له الصحافي في تلفزيون «المستقبل» عمر حرقوص، أول من أمس في بيروت. في هذه اللحظة الحساسة التي تتعلّق بالاستقرار الأهلي، بقدر ما تتعلّق بحريّة الإعلام وكرامة أهله، نتوقّع من أي شخصيّة عامة معنيّة بالدفاع عن الديموقراطيّة ودولة القانون، أن تتصرّف بشيء من المسؤوليّة والعقلانيّة والهدوء... فاستوديو التلفزيون ليس مجلساً خاصاً ولا خليّة حزبيّة مغلقة: كل كلمة هنا لها دلالاتها وتبعاتها. لا نعرف إذا كانت سحر الخطيب قد احتفظت ببعض العبر، من مونولوغها الشهير مع مارسيل غانم في «كلام الناس»، ذات يوم من أيّار الأسود 2008. لكن ضيفها يعرف الأصول، هو المدافع عن الصحافة الحرّة. لا شك في أن الاعتداء على أي صحافي، اعتداء على حريّة جميع الصحافيين، وعلى السلم الأهلي والديموقراطيّة. لكن للديموقراطيّة أصولها أيضاً. كيف يتحوّل المدافع عن الإعلام المستهدف، إلى قاضي تحقيق يحدّد الجاني، وإلى محكمة تصدر بحقّ هذا الجاني حكمها القاطع؟ هذا خطأ مهني وأخلاقي، ومبادلة للعنف الأعمى بعنف يوازيه خطورة، ويضاهيه تحريضاً على الفتنة، وتفريطاً بالحريّة والحسّ المدني وأدبيّات المواجهة.
طرحت الإعلاميّة على ضيفها سؤالاً في منتهى البراءة: ألا تعتقد بأن هذا العنف نتيجة منطقيّة لقيام منابر إعلاميّة بالتهجّم على صحافيين من مؤسسات أخرى؟ بلى، أكيد... طمأنها العمّ الياس. لقد شُتم حرقوص من قبل صحيفة مهمّة، على لسان أكاديمي مزعوم. وترك لنا أن نحزر الجريدة والأكاديمي المزعوم. جاء إلياس خوري مدافعاً عن حريّة الصحافة، فإذا به يدعو إلى تكميمها. كأنّه يقول لنا: السجال ممنوع والاختلاف ممنوع، وإلا فأنتم تتحمّلون مسؤوليّة كل ما يمكن أن يحصل لمن تتساجلون معهم! تراه يقلّد زميلته في «سكايز» التي لمّحت يوماً على فضائيّة واسعة الانتشار، إلى أن جوزف سماحة مسؤول عن مقتل سمير قصير لأنّه ساجله على صفحات الجرائد؟
المشكلة أن الياس خوري بدا واثقاً تمام الثقة من أنّه في موقع الخير، وأنّه يقف بطلاً أسطورياً في مواجهة الأشرار... وهذه نظرة اختزاليّة، متسرّعة لا تليق بمثقّف مثله! ليته تحلّى بحدّ أدنى من التحفّظ والموضوعيّة، تاركاً للجهات المختصّة تحديد المسؤوليات ومحاكمة الجناة. هل نسي أنّه ملزم بالحياد الإيجابي، إذا شاء أن يقوم بدوره على رأس مركز إقليمي يدافع عن الصحافة الحرّة؟ إن ضحيّة القمع أو العنف أو الرقابة، قد تكون اليوم في هذا الخندق، وغداً في سواه... وأيّ مركز للحريات يجب أن يتعالى عن المتاريس، إذا كان معنيّاً بالدفاع عن الجميع.