strong>سماح إدريس* لم أحبّ عمر حرقوص في أكثر ما كتبه، ولا سيّما في نقده الطبقي والفئوي لاعتصام المعارضة (بغضّ النظر عن موقفنا من ذلك الاعتصام ومن هذه المعارضة الملتبسة). وما أزال أشعر بالغضب كلما تذكّرتُ اشمئزازَه من «اللحم المشويّ تحت تمثال رياض الصلح»، ومن «الأراجيل التي تمنع المرورَ،» ومن «بيوتِ الخلاء في وسط الشارع» (جريدة المستقبل 8/12/ 2006)! لكني أشعر بأنّ اللكمات التي وُجّهتْ إلى حرقوص قد وُجهت إليَّ أنا. وأشعر بأنّ الدم الذي سال منه هو جزءٌ من دمي... أو قد يكون جزءاً من دمي ودم كتّابٍ آخرين لو غضضنا الطرفَ أو قدّمنا الذرائعَ لتبرير ما حدث. إنّ الأيدي التي امتدّت إلى حرقوص تسيء، أوّلَ ما تسيء، إلى مبادئها، وإلى شهدائها الذين قضوا غيلةً في عكّار على يدِ مَن استضعفهم لعددهم القليل. وكان أجدر بحزب سعادة العريق ألا يحتجّ برفض عناصره تصويرَ حرقوص لهم. والأفظع أن يَنعت المعتدون حرقوصاً بـ«اليهودي»: فكونُ المرء يهودياً ليس عاراً، وينبغي ألا يكون كذلك... وتحديداً لدى مَن يعتنق العلمانيةَ ومحاربة الطائفية.
إنني لا أدافع عن حرقوص فقط، بل أدافع أيضاً، وربما أولاً، عن حقّي في أن أقول وأكتبَ ما أشاء. فحين أسكت عن محاكمة شاوول، أو ضرب حرقوص، أو سجن كيلو، أو منع كتب إدوارد سعيد، أو قتل سمير قصير، فإنني أسهم في محاكمتي أو ضربي أو سجني أو منعي أو قتلي. ذلك أنني بسكوتي إنما أمهّد أرضية خضوعي للقمع في المستقبل. أعرف أنّ بعض المتضامنين مع حرقوص كانوا سيسكتون عن ضرب صحافيّ آخر لو كان خارج 14 آذار. وأعرف أنهم سكتوا عن محاكمتي بعد دعوى رفعها مستشارُ أحد السلاطين في العراق، بينما انبروا للدفاع عن بول شاوول في وجه الجنرال عون. وأعرف أنّ بعضهم لا يتضامن إلا مع سجناء الرأي في سوريا (الذين ينبغي إطلاقُ سراحهم فوراً). ورغم ذلك، فإننا، معشرَ الكتّاب، نخطئ كثيراً إن اتّخذنا من شعار «حرية التعبير» مطيّة سياسية.
إنّ موقفي هذا قد يصنَّف في خانة المثاليات. لكنني لا أجد بديلاً منه إنْ كنا ما نزال نؤمن بأنّ الصراع الفكري هو السلاح الوحيد المقبول ضدّ خصومنا الفكريين.
* رئيس تحرير مجلة «الآداب»


اعتصام تضامني