حسين بن حمزة في ديوانه الجديد «يعرفكِ مايكل أنجلو» (الدار العربية للعلوم ــــ ناشرون)، يأخذ زاهي وهبي القارئ إلى أرض شعرية غير وعرة. الكتابة عنده تتحول إلى حوار طليق وواضح مع العالم. لا غموض متعمَّداً هنا، ولا معضلات مجازية أو ممارسات لغوية معقدة، خصوصاً إن كانت لا تُخفي تحتها صيداً ثميناً. في قصيدة بعنوان «كعازف يحتضن كمانه»، يتحدث الشاعر مع طفله: «هلاّ أخذتَ كتابي معك/ قلتَ هذا أبي/ وُلدَ شاعراً/ ولكنه لا يفعل ما يفعله الشعراء عادةً/ يكتب الشعر لتغدو الأرض ممكنةً (....) علّمتْهُ الحياةُ أن الحياةَ أحلى من مجازها». يقرّ الشاعر أن التلذّذ بالحياة أجمل من محاكاتها بالمجازات. رغم هذا، لا يستطيع الشاعر أن يخلع جلده. صحيح أنه يظل واضحاً وميسَّر المعاني، إلا أن القارئ يعثر على مجازات وصور شعرية. في القصيدة السابقة نفسها نقرأ: «قرصُ الشمس العائدُ من نهارٍ شاقٍّ». وفي قصائد أخرى تستقبلك صور وتشبيهات من النوع نفسه: «بركة أَضنتها المياه»، «أعبر الفصول على مهلٍ مزدحماً برفاقٍ من أعشابٍ وفاكهة»، «حصادٌ يمسك بتلابيب الحقول». وأحياناً يأتي اصطياد الصورة على شكل مقطع كامل، كما هي الحال في قفلة قصيدة «الغروب العصبي»: «أمٌّ تربطُ جديلة ابنتها/ الابنة تخطفُ الأنفاس/ تبتسم الطفلةُ/ يسقط شعاعٌ/ من سنِّها المثقوب بالضحك/ يبتسمُ النهار/ يبدأ نهارَه».
لا يوجد مناخ أو مزاج واحد في الديوان. الشاعر يظهر كعاشق يُرينا ما يفعل العشق بالناس. من الواضح أنه يكتب تحت إلحاح فكرة أو هاجس أو مجرد تفصيل صغير في حياته اليومية. قد يكون هذا شأناً شخصياً كما في القصيدة التي تحمل عنوان الديوان، إذْ يكتب حبّه لامرأته، وقد يحدث ذلك على شكل حوار مع الشاعر الراحل محمود درويش في قصيدة «وشم الريح في الحجر». على أي حال، ذات الشاعر غالباً ما تكون بؤرة كتابته وأسئلته وطموحاته. الشعر ـــــ في النهاية ـــــ شأن شخصي حتى في حال ذهابه إلى الجمهور العريض. هذا ما يحدث في قصيدة «أنتظر أحداً ينتظر أحداً آخر»، حيث تُستثمر فكرة «الانتظار» كمفتاح لكل مقطع فيها، وكذلك الأمر في «حدَّثتني الريح».
ثمة قرّاء يميلون إلى هذا النوع من الكتابة التي لا تتعالى عليهم. الشاعر يصغي إلى مخيّلته، لكنه لا يخيِّب ظنَّ القارئ العادي. القصد أن صاحب «حطاب الحيرة» يراهن على حضور الشعر في سطورٍ سهلة، فلا نميِّز بين لمعان الصورة عن الجملة التي تحتضنها، لنقرأ من آخر قصيدة: «لستُ شجرةً بعدْ لكنّ عاصفةً تحاول اقتلاعي/ لستُ غيمةً بعدْ لكنّ صلوات استسقاء تناديني/ روحي خاوية مثل كأس في نهاية السهرة/ سريري يعرفني من جسدي المزمن وسعالي الخفيض/ مناماتي ذوَّبتْ حديدَهُ».