بعد استراحة دامت أكثر من سنة، سبقتها سبعة إصدارات مختلفة في المضمون، متناغمة من حيث التصنيف الموسيقي (موسيقى مرتجلة حرّة وتجريبية)، يعود «المسلخ» (ناشر هذه التجارب) ليخدش بساطوره (شعار هذا الناشر) الأذن المرهفة موثّقاً للتاريخ ــــ ومن دون مساومة ــــ صوت حياتنا القاسية. «المسلخ» أو الصحن الطائر الذي ينشر ما لا يُنشر على الساحة الفنية اللبنانية (كما يعرّف به مؤسِّسه مازن كرباج)، يصدر أسطوانتَيْن جديدتَيْن تضافان إلى كتالوغه: «شورتوايف» (أو «موجة قصيرة») لكريستين صحناوي (ألتو ساكسوفون) وميشال فايسفيس (الأيادي)، و«ويبقى الكثير للسمع» لستيفان ريفس (سوبرانو ساكسوفون).نبدأ بالإصدار الأول Shortwave. يجمع هذا التسجيل الموسيقي/ الصوتي بين رائدة لبنانية في مجال الموسيقى المرتجلة الحرة، عازفة الألتو ساكسوفون كريستين صحناوي ورائد عالمي في مجال الموسيقى الإلكترونية المرتجلة الحرة ميشال فايسفيس الذي يستخدم آلة صوتية إلكترونية من ابتكاره يُسمّيها «الأيادي». والمقطوعات الخمسة الواردة في الأسطوانة منتقاة من جلسات تسجيل عدّة قام بها الثنائي خلال تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2006 في العاصمة الفرنسية، وتحديداً في استوديوات «جي. أر. أم» (مجموعة البحث الموسيقي)، المركز الباريسي الشهير الذي يشهد منذ سنوات الاختبارات والأبحاث الموسيقية الأكثر طليعية وتجريبية في أوروبا والعالم. في «شورتوايف»، تبدو صحناوي، أكثر من ذي قبل، راديكالية في توجّهها الموسيقي لناحية الابتعاد غير القابل للنقاش عن أي صوت مألوف تصدره آلتها من الاستخدام الطبيعي. أما المادة الإلكترونية الحية في التسجيل فهي أشبه بحلم يراود صبياً أمضى نهاره في عالم ألعاب الفيديو والكومبيوتر.
التسجيل الثاني «ويبقى الكثير للسمع» لعازف السوبرانو ساكسوفون ستيفان ريفس، يمكن وصفه بالألبوم الأكثر مينيمالية لناحية الصمت والتنويع الصوتي إن وُجِد. فمساحات الصمت التي تفصل بين صوتين رتيبين تتخطى بأضعاف المساحات الصوتية، وذلك في الجزء الأول من ألبوم المقطوعة الواحدة التي بلغت مدتها أكثر من ساعة. تتلاشى نسبياً هذه المينيمالية على مستوى الصمت أو اللاصوت كما على مستوى رتابة الصوت الذي يمكن رسمه بيانياً بخط متعرّج بدلاً من خطّ أفقي مستقيم كما في مطلع التسجيل.
أهمّ ما في الموسيقى المرتجلة الحرة أنّه لا مكان للنغمة فيها وسْط «الضجيج» (لأن بالمساكنة يلغي كلاهما الآخر). إنّها حالة ضرورية، قد تكون مرحلية وقد تستمر، لكنها لن تتطور لأنها لامست أطراف الطليعية في كل الاتجاهات.