يعود جو قديح هذا العام الى خشبة «مسرح الجميزة» مرفقاً عرضه Daddy بحضور ابنته جوليا. هذا أضعف الإيمان حين يسخّر الرجل الذي بلغ ٤٦ سنة عرضاً فكاهياً بكامله ليتطرق إلى ثلاثية الأم، الأب، الابنة.
في الواقع، يرى قديح أن جوليا هي شريكته في المسرحية. ورغم أنه وعد أنها ستبقى طوال فترة العرض على الخشبة، إلا أنّها ستبقى لمدة قصيرة جداً قبل أن تعود الى الكواليس، تاركةً والدها وحيداً في عرض الـ «ستاند آب» الخاص.... بها!
وقد كان ليكون ذلك مثيراً للاهتمام أن يترك ممثل ابنته التي لم تتخط عامها الأول على الخشبة طوال الوقت ويختبر تبدلات نصه وتغيرات إيقاعه كممثل أمام الجمهور حسب تحركات ابنته الصغيرة جوليا، خصوصاً أن قديح يعتمد الاستطراد بشكل نمطي ويترك دائماً مساحةً للارتجال والتفاعل المباشر مع الجمهور والفريق التقني، مبتعداً بذلك عن نصه الأصلي. لكنه قرر أن يضع تلك الفكرة جانباً: لم يرد أن يسلب ابنته طفولتها.

مع ذلك، يبقى طيف جوليا وتأثيرها حاضرين على جو ومشاهديه طوال فترة العرض الذي يقسم إلى فصول متعددة ترصد لنا كل التغيرات التي يخضع لها الثنائي حين تصبح الأمور أكثر جدية مما سبق: أي حين ينتقل الثنائي من كونه ثنائياً إلى ثلاثياً.
فصول متعددة سوف يتنقل فيها جو على الخشبة من مرحلة قرار الزواج المدني، ولقاء عائلة العروس، وفحص «الكليربلو»، الى فترة الوحام وتبدل مزاج الزوجة وتخبط هورموناتها صعوداً ونزولاً، وصولاً إلى حلقة الزيارات المتواصلة إلى الطبيب النسائي، والولادة مفصّلاً كل ما رصدته عيناه وأذناه حتى تلك اللحظة عن تجربتي الأبوة/ الأمومة على مقاس الفكاهة.
يقول في هذا السياق، إنّ عرضه سيبقى نصاً في مرحلة النمو أي أنه خاضع للتطورات والتغيرات التي تضبطها يوميات جوليا.
في هذا العرض، سيتطرق الى علاقة الأم بابنتها: تلك العلاقة الانصهارية بحيث يبدو الرجل خارج المعادلة، ولن ينسى كل آلام وأوجاع المرأة/ الأم ليصل الى النتيجة التي لا لبس فيها عن جبروت النساء، وقدرتهن على الاحتمال التي تجعل كل ما يقال عن القوة الجسدية للرجل مجرد أساطير لا أكثر. هو الذي أصيب بصدمة حين علم أن الطفل المنتظر «قديح قديح» بكل تموجات الأزرق لن يأتي.
عرض فكاهي
بكامله يتطرق إلى ثلاثية الأم، الأب، الابنة

في Daddy، يقدم المخرج والممثل اللبناني سلسلة من الصور والمواقف النمطية التي لا تتوقف عند افتتان مجتمعاتنا بالذكورة، بل تنتقد عالم المراكز التجارية وبعض النزعات الشائعة. لا يوفر في هذا الإطار فضاءات أخرى، فيخصص مشهداً بكامله لدور الحضانة ومراكز الألعاب الخاصة بالأطفال ليلحظ كم تبدلت الطفولة. بعض الصور النمطية التي استحضرها على الخشبة كان موفقاً، وبعضها الآخر بدا خارج السياق قليلاً كمشهد الخادمة النيبالية.
ولعل إحدى اللحظات الجميلة والذكية لدى حضورنا Daddy، هي تلك التي يقدم فيها جو قديح سلسلة من أغنيات الطفولة المفعمة بعنف مبطن أكانت أغنية عربية أم غربية، ولحظات حديثه عن أغاني شانتال غويا التي تملك أثراً مخدراً لدى الطفل لا مثيل له أو تلك التي يتحدث فيها عن الدلالات الجنسية في حكايا الأطفال كـ «ليلى والذئب» وغيرها.
تتقاطع تلك المشاهد الفكاهية والفذة مع سلسلة مشاهد تظهر لنا جو أمام الكاميرا حيث يقوم بمخاطبة أحدهم حتى نفاجأ في نهاية العرض بخطاب مؤثر يوجهه الأب لابنته. نكتشف أن جو كان يقوم بتسجيل فيديو يوجهه لابنته كي يخبرها عنه.
بين المشاهد الفكاهية ومشاهده أمام الكاميرا، وقع جو في بعض اللحظات المفتعلة تمثيلياً: رغم إجادته فن التقاط التفاصيل الصغيرة وتحويلها الى عبوات من الضحك، الا أنه كان أقل توفيقاً في المشاهد الدرامية. كما أنه من خلال بعض مشاهد العرض التي حضرناها، أولى قديح جهداً زاد عن اللزوم أحياناً في إضحاك جمهوره. في Daddy، لا يحتاج جو قديح لاستحضار الكثير من مواقف الـ Déjà vu التي تركز إلى الإيحاءات الجنسية.
ومن قال إنّ إضحاك الجمهور يجب أن يكون مرتبطاً دائماً بفائض الإيحاءات الجنسية الموظفة أحياناً بشكل مجاني.
رغم ذلك، تبقى مواقف جو اللاقطة لتفاصيل النساء في فترة حملهن وطيف جوليا الحاضر دوماً هي الأقوى.



Daddy: 20:30 من 6 حتى 28 شباط (فبراير) ــ «مسرح الجمّيزة» (بيروت). للحجز والاستعلام: 76/409109