امل الأندريلن تجدَ هذا الكمّ من الكائنات المختلّة والمصابة بجنون الارتياب في أي مكان آخر. وحده شريط الأخوين كوين «يُحرق بعد الكتابة» يتّسع لهذا الدوار. في الفيلم الذي يُعرض على الشاشات اللبنانية، يلجأ جويل وإيثن كوين (إخراجاً وكتابةً)، كعادتهما، إلى السخرية، والنتيجة شريط كوميدي أبطاله شخصيّات هستيرية ومسحوقة (وحمقى أيضاً)، تتصارع في ما بينها... ومن خلال سوء فهم متواصل، تصل إلى مصيرها التراجيدي وإلى نصيبها من الموت... من دون أن ننسى الجرعات الخاطفة والمكثّفة من العنف الذي يستعيره المخرجان المشاكسان من السينما الأميركيّة السائدة، بهدف تحويره. وبين هذا وذاك، يلقيان نظرةً نقدية وساخرة إلى المجتمع الأميركي، من خلال الموظّفة ليندا التي لا تتوانى عن فعل أي شيء يؤمّن لها المبلغ الضروري لإجراء سبع عمليات تجميل لتصبح شبيهةً بنجمات هوليوود، أو من خلال المسؤولين في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي) الذين يجسّدون ستيريوتايب البيروقراطية والأفق الضيّق والأداء التقني البارد.
يبدأ Burn After Reading بالكاميرا وهي تقترب من الكرة الأرضيّة حتى نُصبح داخل مكتب الـ«سي. آي. إي» (!) حيث استدعى أوزبور كوكس (جون مالكوفيتش) لتبلّغ قرار صرفه من عمله لإدمانه على الكحول. بعد «استقالة» أوزي ، تقرّر زوجته اللئيمة (تيلدا سوينتن) أن تحصل على الطلاق، لتتفرّغ لعشيقها الـ «دون جوان» والعميل في وزارة المالية (جورج كلوني). لكنّ أوزبرون سينتقم بكتابة مذكّراته التي تضمّ أسراراً استخبارية. تلك الأسرار نسختها زوجته على قرص سي دي، لكن القرص يضيع وينتهي في النادي الرياضي. هنا سيحاول تشاد (براد بيت) وليندا (فرانسيس ماكدورماند)، الموظفان في النادي ابتزاز أوزبرون... لعلّ ليندا التي تتواعد مع رجال «فاشلين» على الإنترنت تحصل على المبلغ المطلوب لإجراء عمليات تجميل. وحين لا يستجيب أوزبرون، سيقصد الثنائي الساذج السفارة الروسيّة لتسليمها الوثائق، ما يجرّنا إلى سلسلة مواقف عبثيّة متشابكة تنضح بالفكاهة السوداء.
الأخوان كوين يقدّمان هنا فيلماً ممتعاً وذكيّاً ومتقناً، وخصوصاً بنية السيناريو التي تجعلنا نلهث خلف شخصيات مضخّمة تجسّد أمراض المجتمع وجنونه. في الحقيقة، نحن ندور داخل حلقة مفرغة... لن نخرج منها إلا وقد مات الجميع تقريباً! ولم يبقَ سوى ليندا التائهة التي تطاردها طائرة مروحيّة لتساعد وكالة الاستخابرات على فك خيوط القضيّة. «ماذا تعلّمنا؟»، يسأل المسؤول الأعلى معاونه الصامت في المشهد الأخير. ويواصل: «لا شيء. أن نكون حذرين في المرّة المقبلة...». بعد كل هذا الخراب والموت، تبدو الأمثولة غالية الثمن. إنّها أميركا يا عزيزي.


Burn After Reading : «سينما سيتي» (01/899993)، «أمبير دون» (01/792123)، أمبير سوديكو (01/616707)، «بلانيت أبراج» (01/292192)، «بلانيت زوق» (09/221363)، «بلانيت سانت إيلي» (04/406706)