لا الشهرة كانت تنقص جان ـــــ ماري غوستاف لو كليزيو، ولا الجوائز. في الـ23، فازت باكورته الروائية «المحضر» (1963) بجائزة «رونودو» الفرنسية... ثم نال عام 1980 جائزة «بول موران» عن مجمل أعماله، وخصوصاً «صحراء». وبعد حوالى 50 عملاً بين رواية وقصّة وكتابات نقديّة، ونصوص مختلفة، وأعمال جماعية، وترجمات للميثولوجيا الهندية والحضارات القديمة، عدّ معظمها نقداً للغرب المادي وتعاطفاً عضويّاً مع الأقليات والضعفاء والمهمّشين، ها هو يتوّج هذه المسيرة الغنيّة بجائزة «نوبل» (حوالى مليون يورو) التي منحتها الأكاديمية السويدية أمس إلى «كاتب القطيعة».بدأت علاقته بعالم الكتابة حين كان في السادسة، يوم اصطحبته والدته إلى نيجيريا لملاقاة والده. هكذا، كتب عن البحر... وبعد سنوات، اختار اللغة الفرنسية وطناً نهائيّاً. صحيح أنّ انتماءه هذا جاء أوّل الأمر كردّ فعل، واحتجاج على الاستعمار البريطاني لجزر موريس التي هاجر اليها أجداده في القرن الثامن عشر. إلا أنّه سرعان ما اكتشف في تلك اللغة «موطناً انصهرت في بوتقته الحضارات القديمة».
ولد جان ـــــ ماري غوستاف لو كليزيو في نيس (جنوب فرنسا) في 13 نيسان (أبريل) 1940. من جرّاح موريسي، نسبة إلى جزر الموريس التي هاجرت إليها عائلته في القرن الـ18 من مقاطعة Bretagne في الغرب الفرنسي. والموريسي إنكليزي حكماً بحكم سيطرة التاج البريطاني على تلك الجزر. أما أمّه، ففرنسيّة من بروتاني أيضاًً. بعدما نال جائزته الأدبية الأولى، بدأ العمل في جامعتي بريستول ولندن، مخصّصاً دبلوم الدراسات العليا للشاعر الفرنسي (من أصل بلجيكي) هنري ميشو. درّس في جامعات بانكوك ومكسيكو سيتي وبوسطن.... وفي 1967 أدى خدمته العسكرية في بانكوك من خلال نظام التعاون الذي يربط البلدين، لكنّه سرعان ما طُرد بعدما كتب عن دعارة الأطفال في تايلاند. هكذا وجد نفسه في المكسيك حيث عمل 4 سنوات في «معهد أميركا اللاتينية» مشاركاً حياة الهنود في بنما، وقد طبعت هذه المرحلة مسيرته الأدبيّة وحياته. ثم علّم لاحقاً في البوكيرك في نيو مكسيكو حيث يمضي الآن جزءاً أساسياً من وقته مع زوجته المتحدّرة من أصل صحراوي مغربي، وقد شاركته بعض تجاربه الأدبيّة. وغالباً ما يزور نيس التي أبصر فيها النور، ومنزله في دوارنيني، في منطقة بروتاني.
من أعماله التي أثارت ضجّة في الإعلام «نجمة تائهة» (1992) التي تحكي هجرة اليهود إلى فلسطين من وجهة نقديّة (إذ تناولت المأساة الفلسطينية والمراحل الأولى من تشكّل المخيم)، ما أدّى إلى حملات ضدّه في الأوساط الصهيونية في فرنسا. نذكر أيضاً: «الحمّى» (1965)، و«الطوفان» (1966)، و«النشوة المادية» (1967)، و«الحرب» (1970)، و«ثورات» (2003). وتبرز من بين رواياته كلّها «صحراء» التي يعدّها النقّاد أروع أعماله... وصولاً إلى «موّال الجوع» (2008).
على رغم بلوغه الـ68، ما زال يحتفظ بمظهر فتيّ بقامته الممشوقة وعينيه الزرقاوين، وقد لُقِّب بـ«كاتب الترحال» والـ«هندي في المدينة» و«الحلولي الرائع» نسبةً إلى المذهب الحلولي القائل بوحدة الوجود، وكلّها ألقاب تشهد على شغفه بالثقافات القديمة والفضاءات البعيدة.