رئيس شعبة الماكياج المصرية غاضبٌ لاستقدام خبراء إيرانيين إلى القاهرة، فيما الفضائيات الخليجية تحارب المسلسلات المصرية... بعدما انفضّ «مولد» رمضان، يبقى السؤال: إلى متى تتحكم العصبية والقبلية في المشهد الدرامي؟
محمد خير
في مسلسل «تامر وشوقية»، فوجئ المشاهدون بمشهد طريف وذي دلالة: كانت شوقية (مي كساب) قد احتُجزت في زنزانة قسم الشرطة، وبدأت التعرف على «زميلات» الحبس. وإذا بفتاة شابة جميلة تتحدث اللهجة الشامية، سألتها شوقية عن تهمتها، فأجابتها الفتاة: أنا ممثلة سورية، شاركت في فيلمين مصريين في سنة واحدة!
المشهد انتزع ضحكة مفاجئة من المشاهدين، وخصوصاً المهتمين بالشأن الفني، ممن تابعوا قضية قرار نقيب الممثلين المصريين أشرف زكي، القاضي «بتنظيم» عمل الفنانين العرب في مصر. وذلك، بعدما حظر اشتغال الفنان العربي بأكثر من عمل واحد في العام داخل مصر. ثم عاد واستتثنى من سمّاهم «الفنانين الذين أثروا الشاشة العربية»، قبل أن يقرر تحصين الاستثناء بمنح هؤلاء النجوم عضوية نقابة المهن التمثيلية المصرية. كادت الأزمة تدخل ممر النسيان، قبل أن تتفجر في الأيام الماضية أزمة بديلة، مصدرها شعبة الماكياج بنقابة السينمائيين، ورئيسها محمد عشوب. الأزمة هذه المرة لم تكن ضدَّ العرب، بل ضد خبراء الماكياج الإيرانيين. اعتبرت شعبة الماكياج أن حصول عدد من خبراء الماكياج الإيرانيين على تصريح بالعمل في مصر، أثناء تصوير مشاهد من «ناصر» للمخرج باسل الخطيب، هو بمثابة تعدٍّ على أبناء المهنة من المصريين. التحفّز بدأ قبل شهور، إذ حاولت الشعبة منع الخبراء الإيرانيين من دخول مصر، لكنّ المنتج استطاع الحصول على موافقة نقيب المهن السينمائية ممدوح الليثي، وتصاريح عمل من وزارة القوى العاملة المصرية. جاء الإيرانيون وأنهوا عملهم وبُثَّ المسلسل. الأمر الذي دفع برئيس شعبة الماكياج المصرية إلى رفع دعوى قضائية ضد نقيب السينمائيين، وضد وزارة القوى العاملة، بحجة عدم جواز تشغيل أجانب في المهن التي تتوافر فيها عمالة مصرية ماهرة، غير أن رافع الدعوى ما لبث أن تنازل عنها، مؤكداً للصحافة أنه حصل على قرار من نقيب السينمائيين، يمنحه الحق في منح أو منع أي ماكيير أجنبي من العمل في مصر.
على كل حال انتهى رمضان، وانفضّ «مولد» الدراما التلفزيونية واحتفاليتها السنوية، ولن تتضح حقيقة حسم مشكلة الماكيير الأجنبي، إلا عند قرب رمضان المقبل، عندما يعود المخرجون العرب بفرق المعاونين الخاصة بهم. غير أن طرح مثل تلك المشكلة بهذه الصورة، وخصوصاً من رجل مثل محمد عشوب، وهو فنان يعمل بالسينما والتلفزيون منذ الستينيات، وأبهر الجمهور بمكياج أحمد زكي في «أيام السادات» و«ناصر 56»... يبيّن أن التعاون العربي في مجال الدراما، يسير في خطين ليسا متوازيين، بل متعاكسان بصورة مثيرة للدهشة. وليست أزمة الماكياج أو تصاريح العمل للممثلين سوى أجزاء من صورة أكبر، صورة تثير الدهشة والعجب في عديد من زواياها. وتكفي زاوية أن محمد عشوب نفسه ــ منتج أيضاً ــ هو نفسه الذي صنع ماكياج سلاف فواخرجي في مسلسل «أسمهان»، أي إنه عمل مع مخرج تونسي ونجوم سوريين ومدير تصوير بولندي، ولابدَّ أنه لم يتحدث كثيراً آنذاك عن مسألة الجنسية والتصاريح.
يبدو تناقض مشهد «صناعة» الدراما العربية بدءاً من الخطاب الإعلامي، فهو منقسم إلى قسمين واضحين: الأول يرحّب بلا تحفظ «بالعمل العربي المشترك»، بعدما كانت مثل هذه المصطلحات لا ثثير عادةً إلا السخرية في المجالات السياسية والاقتصادية. أما في الدراما، فإن كلّاً من «الملك فاروق» و«أسمهان» تربّعا على عرش الدراما الرمضانية، والمسلسلان نموذجان صريحان لذلك التعاون العربي إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً، ليتفوق العملان على المسلسلات الأخرى التي تسمى «المصرية» و«السورية» و«الخليجية»... إلا أن تلك التقسيمة القُطرية «باللفظ القومي»، هي التي تمثّل كل ما يملكه أنصار القسم الآخر من الخطاب الإعلامي العربي المعني بالدراما، إذ اشتعلت معارك وانتعشت برامج واشتبك فنانون وصحافيون، فيما يبدو هدراً خرافياً لساعات بث، تردّد كلها بلا كلل العبارات نفسها عن «تفوق» الدراما السورية، و«ريادة» الدراما المصرية، و«تقدم» الدراما الخليجية، و«ظاهرة» الدراما البدوية... ويبدو خلف المشاحنات أسوأ ما في الثقافة العربية، ألا وهو عقلية العصبية والقبلية.
وبعدما قررت الدولة السورية العام الماضي «استضافة» المسلسلات المحلية على شاشاتها، بعدما قيل إن قراراً سياسياً عربياً صدر بتجاهل شراء هذه المسلسلات... سلكت مصر هذا العام الطريق نفسه، وإن عبر القطاع الخاص («الحياة مسلسلات» مثلاً)، بعدما قيل أيضاً إن فضائيات عربية امتنعت عن شراء مسلسلات مصرية، ردّاً على قرار أشرف زكي. وهكذا، فإن الصناعة المزدهرة ــ على رغم الملاحظات ــ للدراما العربية، لا تعيش إلا على غذاء من مشاعر الحساسية وبعقلية انتقامية!