كلاهما يتقن لعبة الارتجال في محاذاة الأداء الصارم الخاصّ بالموسيقى الكلاسيكية. ابن حلب المعروف عالميّاً في باريس، يلتقي مواطنه الذي تآلف مع جمهور بيروت
بشير صفير
بعد حوالى سنتين من حفلته الأخيرة في بيروت، يعود المؤلف الموسيقي وعازف الكلارينت السوري كنان العظمة إلى مسرح «مونو»، إلى جانبه هذه المرة (أو في مواجهته) «باغانيني الكونترباص» مواطنه المغترب الموسيقي المخضرم فرنسوا ربّاط. قبل الدخول في التفاصيل، يمكن استنتاج بعض المزايا التي قد تعطي صورةً أوّلية عن اللقاء المرتقب مساء السبت المقبل بين العظمة وربّاط. أولاً، يجمع بين العازفَين إتقانهما الكلي لآلتَيهما وتمكّنهما من كل التقنيات والمهارات الممكنة وأكثر. ثانياً، كلاهما يتمتّع بإلمام ثنائي بالموسيقى، يقوم على امتهان لعبة الجاز والارتجال في محاذاة الأداء الصارم الخاص بالموسيقى الكلاسيكية (إضافة إلى انفتاح على الحداثة والتجارب المعاصرة). ثالثاً، إلى جانب أداء مقطوعات لمؤلفين آخرين، كل منهما له تجربته في عالم التأليف الموسيقي. من جهة أخرى، نشير إلى أن ربّاط، المولود في حلب عام 1931، هو في زيارة أولى إلى المنطقة بعد أكثر من 50 سنة من الغياب. وحفلة بيروت التي يقيمها مع كنان العظمة تختتم جولة شملت حفلتين في سوريا، يتعرف من خلالها الجمهوران السوري واللبناني إلى هذا الموسيقي الذي ذاعت شهرته عالمياً، لكنّه ما زال مغموراً في وطنه العربي.
يعيش ربّاط في فرنسا التي هاجر إليها بعد عشر سنوات أمضاها في بيروت، حيث وقع بالمصادفة على كتاب لتعليم الكونترباص، وراح يدرس العزف من دون مساعدة أستاذ. هكذا، صار الفنان العصاميّ صاحب مسيرة فنيّة غنيّة ومتعددة الجوانب، تبدأ بالعزف المنفرد على آلته (أو مع فرقته أو كعضو في أوركسترا) في أهم مسارح العالم ثم شارك عزفاً إلى جانب أهم رموز الأغنية الفرنسية في الستينيات (مثل باربرا وجاك بريل وجيلبير بيكو وشارل أزنافور،...) وغيرها من الأسماء الكبيرة في عالم الموسيقى (مثل ميشال لوغران الذي زار لبنان هذا الصيف). ويضاف إلى ذلك أيضاً نشاطه في مجال التأليف. إذ كتب العديد من المقطوعات التي بدأ بإصدارها منذ 1963، كذلك في مجال التعليم إذ وضع مناهج خاصة للعزف على الكونترباص. في مجال الموسيقى الكلاسيكية، كُتبت لربّاط أعمال خاصة به معظمها جمع آلته بالأوركسترا (للمؤلف الأميركي المعاصر فرانك بروتو)، أي ما يُعرف بـ«كونترباص كونشرتو» التركيبة التي قلّما نجدها في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. بديهي أن يُعزَف الكونترباص سحباً بالقوس في الموسيقى الكلاسيكية، لكن ربّاط معروفٌ باعتماد القوس حتى في موسيقى الجاز، ولا يلجأ إلى النقر بالأصابع إلّا نادراً، بخلاف جميع الموسيقيين.
تنقسم الحفلة التي ستجمع مؤسس فرقة «حوار» كنان العظمة بمواطنه فرنسوا ربّاط إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول مخصص للكلارينت. إذ يؤدي كنان عملاً لباخ هو حركة من السوناتة الأولى (هي في الأصل للفيولون)، سبق أن أدّاها في مستهل إطلالته الأخيرة في «مونو» (ولكن للأمانة، وإن أبدع كنان في أدائها، فإنّه لم يوفّق في جعل التوليف إضافةً إيجابيةً على العمل الأصلي). كذلك يؤدي كنان أعمالاً لمؤلفين معاصرين (ويليام أوسبورن وجوان تاور)، إضافة إلى مقطوعة جديدة من تأليفه تحمل عنوان «متتالية رقم واحد في ست حركات».
في القسم الثاني، تخلي الكلارينت المسرح للكونترباص، إذ يقدّم فرنسوا ربّاط ستة أعمال من تأليفه وتنويعات للكونترباص من تأليف فراك بروتو (1941) على موضوعة موسيقية لـ«شيطان الكمان» الإيطالي نيكولو باغانيني (1782 ـــ 1840). أما في القسم الثالث فيجتمع الموسيقيَّان لأداء مقطوعتَين موسيقيتَين، الأولى من تأليف كنان بعنوان «تشرين الثاني» والثانية لفرنسوا بعنوان «خلْق»، كتبها خصيصاً لهذه المناسبة. تجدر الإشارة إلى أنّ اللقاء ستتخلله مشاركة لنجل فرنسوا، عازف البيانو سيلفان ربّاط الذي سبق أن رافق والده في جولات عالمية.


8:30 مساء السبت 18 ت1 (أكتوبر) الجاري ـــ مسرح «مونو» ــــ للاستعلام: 01/202422